في الفقه، وهمّة آخر في الكلام، كما اختلفت همم أصحاب الحرف؛ ليقوم كل واحد بحرفة، فيتم النظام، وعلقنا عليه: أن الذي يحمل الحديث على هذا المعنى يقصد التباعد من فهم الأثر على معنى: اختلاف الأمة في آرائها، ولا يرضيه أن تدخل الرحمة من ناحية اختلاف الآراء، ولو في الفروع؛ لأن نصوص الشريعة طافحة بالنهي عن الاختلاف بإطلاق، وذوو الاجتهاد مأمورون ببذل الوسع في إزالته، والتلاقي في مذهب واحدة كما قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} [النساء: ٥٩} إلخ الآية، لكنهم إذا أفرغوا جهدهم في البحث عن الأدلة، وأمعنوا النظر فيها بقصد الوصول إلى ما هو حق، ثم أدركهم العجز عن الاتفاق، فالعذر قائم، وباب العفو مفتوح، والعفو عن هذا الاختلاف وعدم مؤاخذتهم عليه لا يقتضي أن في الخلاف رحمة، وأنه أصلح من الوفاق، وأسعد من تضافر الآراء على مذهب.
نقلت قول القاضي: أن في الآية إيماء إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم من العلم: أن يستقيم، ويقيم غيره، وتخلصنا منه إلى أن أعظم درجات الإنسان وأشرفها أن يكون كاملاً في نفسه، ومنبعاً يتدفق منه الصلاح والكمال إلى غيره.
ووصلنا هذا بنكتة لطيفة أعهدها لبعض المفسرين عند قوله تعالى:{وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب: ٤٦] وهي أنه وقع تشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسراج دون أن يمثله بنحو القمر الذي هو أغزر نوراً؛ لأن القمر يضيء في نفسه، ولا يمكن أن يستمد من ضوئه عدة أجرام تكون مضيئة في نفسها؛ بخلاف السراج، فإنه في ذاته، ويمكن أن يقتبس منه سرج لا يشملها الإحصاء، فالتمثيل به أو فى بالمراد، وأقرب مطابقة لحاله - عليه الصلاة والسلام -.