كان الشعور السياسي منبثاً في نفوس الأمة قاطبة، حتى إذا نهض الرئيس الأعلى لقتال يحمي ذمارهم، أو عمل يرفع شأنهم، خفُّوا إلى دعوته، فأسلموا أنفسهم وأموالهم إلى رأيه وتدبيره.
ما هي العوامل التي أحيت ذلك الشعور، وجعلته يتألق بين جوانحهم تألقَ القمر في سماء صاحية، فأكبر هممهم، وشدّ عزائمهم، حتى تراءى لهم الجبل ذرة، واستهانوا بالموت الذي -كما قال بعض الحكماء- لا مرارة إلا في الخوف منه؟؟.
أحيا ذلك الشعور: تلقيهم للكتاب الحكيم عن تدبر وإنعام في مراميه الاجتماعية والسياسية، ومما يبعثهم على تجريد النظر لاجتلاء حقائقه، والكشف عن مقاصده: أنه القانون الأساسي الذي لا تخضع الأمة إلا لسلطانه، فكان العلماء -وهم بمنزلة نواب الأمة- يرقبون سير الهيئة الحاكمة، وما عليهم سوى أن يزنوا أعمالها بذلك الميزان السماوي، فيصفوها للناس بأنها جادة أو هازلة.
فالشعور السياسي نور يسطع في الشعوب على قدر ما ينتشر بينها من معرفة حقوقها، والطرقِ الكافلة لحفظ مصالحها، ولقد كنّا نتلقى عن تجربة أن السلطة القابضة على زمام شعب، يسوء أن يتنبه لحياته الشريفة، وينهض للمطالبة بحقوقه العالية، تصرف دهاءها إلى منابع التعليم، فتسد مسالكه، فإن لم تستطع، ضيقت مجاريه، أو خلطته بعناصر تفتك بالإحساسات السامية، وتقلب النفوس التي فطرها الله على الحرية إلى طاعة عمياء.
أحيا ذلك الشعور: أن الله قيض لهم رؤساء ما كانوا ليعدُّوا أنفسهم سوى أنهم أفراد من الشعب يقومون بتدبير جانب من مصالحه، فطرحوا