بآداب الشريعة أخذَ العارف بحكمتها، المطبوعِ على النهوض بتعاليمها، ثم يقبلون على الناس يرشدونهم إلى أن يزنوا أعمالهم بميزان الشرع، ويسوسوا أنفسهم بزمام هدايته؛ حتى تستنير بصائرهم، وتكون الأخلاق العالية منه؛ مثل: الإخلاص، والغيرة على الحق، وخشية الله تعالى ملكاتٍ راسخةً في فطرهم، ومحوراً تدور عليه سائر تصرفاتهم ومعاملاتهم، ولا يعرِّجون في خلال إرشادهم إلا على آية، أو حديث، أو حكمة صريحة، أو قصة نستخلص منها عبرة.
أحرز أولئك الرجال المنتصبون لهداية الناس بحق مقاماً محموداً، وحياة طيبة، وجاهاً واسعاً؛ من حيث لم يجعلوا هذه الكرامة مناط سهامهم، أو الركن الأشدَّ من مقاصدهم، وإنما هي قسط من العاقبة التي وعد الله عباده المخلصين. وما لبثوا أن غبطهم أناس يحرصون على أن تكون لهم الكلمة النافذة، والعيش الخصيب، ولو من غير طريقهما المشروع، فظهروا في مظهر أولئك الهداة، ولكن أكبر عليهم أن يعنوا بشرطه، وينهضوا بأعبائه، وهو الاستقامة على الطريقة المثلى، ففتحوا في سور الشريعة ثلمة، وابتدعوا مقالات ليختموا بها على أفواه الناس، فلا تضطرب قلوبهم بإنكار متى شاهدوهم يستخفون بواجب، أو يقتحمون حراماً؛ كقولهم: إن الولي إذا انتهى إلى منزلة عليا في رضوان الله، سقطت عنه التكاليف جملة. وتوكأ على هذه المقالة الوقحة كثير ممن يدعي الولاية، ويرتكب الفواحش على مرأى ومسمع من جماعات يلثمون أقدامه، وينشرون بين يديه أموالهم؛ ليقربهم إلى الله زلفى.
وقادت الأهواء وحبُّ الرئاسة طائفة أخرى، لم ينفذوا إلى روح الشريعة، ويذوقوا طعمها، فترامى بهم الجهل الأكمه إلى أن استعاروا من اللهو وتقاليد