زوايا لتعليم القرآن، وتلقين جانب من مبادئ الدين والأحكام الفقهية، والإرشاد إلى بعض الأخلاق الفاضلة، والمحافظة على العبادات، وترك المنكرات، ثم قبضهم لأموال بعض الأغنياء وإنفاقها على فقرائهم. والقيام على هذه المشروعات والتعليم -ولاسيما في العصور المظلمة- مزية لا يستهان بها. وربما اكتفينا منهم بتأدية هذه الواجبات، وصرفنا عنان السؤال عن عدم غرسهم في قلوب أتباعهم خلق الإقدام على مجاهرة الرؤساء بالنصيحة، ومطالبتهم بالاستقامة على السبيل الذي يكفل لهم الأمن من كارثة الاستعباد. نكف أقلامنا عن أن تحمل طرفاً من هذه المسؤولية على كواهلهم، ونقنع منهم بذلك المقدار من الخير، حيث لم يكونوا سلاح الباطل، ولا أعواناً للسلطان الجائر، ولكنا لا نقنع من بعض رؤساء الطرق في هذا العصر بذلك المقدار من تعليم وإرشاد على فرض أن ينهضوا له كما نهض سلفهم الصالح، ما دامت قلوبهم وأقلامهم بين إصبعين من أصابع حليف الباطل، يملي عليها ما يشاء، ويقلبها كيف يريد.
لا نرمي في هذا المقال إلى ما يقوله بعضهم من أن هذه الزوايا أصبحت عقبات قائمة في سبيل الإصلاح لا بد من العمل على إماطتها، فإني أعلم أن لمشايخ الطرق كلمة نافذة لدى العامة، ومكانة يمكنهم أن يتوصلوا بها إلى إصلاح عظيم، ومساعدة الأمة على اتحادها المتين، فلا نريد لهم حينئذ إلا أن ينقوا ساحتهم من مظاهر لا تنطبق على الشريعة، ثم يصرفوا سلطانهم على القلوب إلى إسعاد الوطن، والذبِّ عن حقوق الأفراد والجماعات.
أما تنقية زواياهم ومظاهرهم لما هو خارج عن رسوم الشريعة، فبوقوفهم في العمل على ما ينطق به الكتاب والسنّة الصحيحة، أو ما يفهمه الراسخون