وهؤلاء هم الذين اخترعوا ضلالة فصل الدين عن السياسة، وحاولوا أن يوهموا ببعض مؤلفاتهم ومقالاتهم: أن دين الإسلام عقائد وعبادات، ولا صلة له بأحكام المعاملات والسياسات والقضاء، وقد قهرتهم الحجة، وسقطوا من أعين الذين يزنون أقوال الرجال بقسطاس المنطق السليم.
وهؤلاء هم الذين يعادون اللغة العربية الفصحى، ويسعون لقلب أوضاعها، وإحلال اللغة العامية في التعليم والكتابة والخطابة محلها، ولا ذنب لها -فيما يضمرون- إلا أنها لسان هدى الله، تعرض حكمته، وتقرر حجته، وبوسائل لست أدرى بها منكم، فإن هؤلاء المبطلون بمظاهر مكنتهم من ترويج دعايتهم، والوصول إلى بعض مآربهم، حتى وقع كثير من صغار العقول في حبائل تضليلهم.
وكان من أثر هذه المظاهر: إحجام كثير من الناس عن دعوة الحق، يخشون سطوتهم، أو فوات بعض المنافع التي شأنها أن تجيء على أيديهم، وكان من أثر انتشار دعوتهم: يأس الناس من أن توجد قوة تكسر قناتهم، وتنصر الحقائق على أباطيلهم، ونعوذ بالله من الجبن.
وكنت أوشكت أن أقف على شفا حفرة من اليأس، وخيل إلي أن الروح الإِسلامية النقية السامية ستذهب حيث يذهب الجيل الذي نشأ قبل أن يكون للإلحاد دولة، ولمعتنقيه صولة، وسرعان ما أرانا الله تعالى شباباً في مصر وغير مصر تقلبوا في بيئات تلك الدعايات الغاوية، وترددوا على مجالس زعمائها، ولكنهم يحملون في صدورهم إيماناً راسياً، ويعتزون بآدابهم الإِسلامية أينما كانوا، ويفقهون أن سبيل العزة والحياة الطيبة، هي السبيل التي هدى إليها الدين الحنيف.