لا تجزعوا منهاة فإنها لا تستطيع أن تكسرنا إلا إذا دخل فيها عود منا. وكذلك المستعمر لا يغلب المؤمنين إلا إذا عاونه طائفة من المسلمين.
ومن نظر في تاريخ الأندلس، وجد كثيراً منهم ينفقون الأموال الطائلة في البناء الضخم وزخرفته، وقد أدرك هذا منذر بن سعيد البلوطي، فكان يعظ عبدَ الرحمن الناصر بخطبه وقصائده حين اعتنى بزخرفة البناء، فدخل عليه منذر وقد بنى مدينة الزهراء، فقال له:
يا بانيَ الزهراء مستغرِقاً ... أوقاتَه فيها أما تمهلُ؟!
للهِ ما أحسنَها منظراً ... لو لم تكن زهرتُها تذبُل!
فقال له الناصر: إن سُقيت بماء الدموع، وهبَّ عليهما نسيم الخشوع، لا تذبل إن شاء الله. فقال المنذر: اللهم اشهد، فقد بلغت.
وروي في تاريخها: أن المأمون بنَ ذي النون، صاحبَ طليطلة بنى قصراً، وأنفق أموالاً طائلة، فسمع منشداً يقول:
أتبني بناء الخالدين وإنما ... بقاؤك فيها قد علمت قليل؟!
ومن نظر في تاربخ الأندلس، وجد كثيرا منهم يتغالون في شرب الخمور، ومجالس اللهو، ويدل على أن كثيراً منهم وقعوا في المدنية الزائفة: أن أهل بلنسية حين هاجمهم العدو، خرجوا إليه في حلل من الحرير والزينة، فقال شاعرهم:
لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستُمُ ... حللَ الحرير عليكمُ ألوانا
ما كان أقبحَهم وأحسنَكم بها ... لو لم يكن في بترنة ما كانا
يشير الشاعر إلى واقعة "بترنة" التي انهزم فيها أهل بلنسية.