للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* الارتياح للشعر:

ترتاح النفس لصور من المعاني يصنعها الخيال، أو تخرج في ثوب قشيب من حسن البيان، ذلك الارتياح لذة الشعر الذي هو صنع الألمعية المتلألئة، والتخيل الواسع، والذوق الصحيح. ولا أظن أن في الناس من لا يلذ الشعر البديع متى أحسّ معانيه، ووقعت في ذهنه باديةَ الوجوه كما كانت في ذهن مصوّرها، وإنما المشاهد أن الناس يتفاوتون في الارتياح للشعر على قدر تفاوتهم في صفاء الذوق، وتقدير ما في معانيه من غرابة وحسن التئام، أو تقدير ما في ألفاظه من حسن السبك وجودة التركيب.

فإذا رأيت الرجل يسمع الشعر البارع، ولا تلوح عليه أَمارة الارتياح لسماعه، فلأنه لم يحس ما فيه من إبداع، وجودةِ صنعة، وكثيراً ما يعيب الناقد صورة معنى خيالي حيث لا يحس الناحية التي فعل فيها الخيال البارع فعلته.

أورد بعض الكاتبين في الأدب قول الشاعر:

كالطيف يأبى دخول الجفن منفتحاً ... وليس يدخله إلا إذا انطبقا

وعابه بقوله: إن الطيف لا يدخل الجفن، وإنما يتخيل إلى النفس. ولو اعتاد هذا الكاتب النظر إلى الصور الخيالية من مسالكها اللطيفة، لما أتعب فكره في البحث عن الباب الذي يدخل منه الطيف المتخيل للنفس في صورة المرئي رأي العين.

يصفو الذوق، فيحس براعة الشعر، ولطفَ مسلكه، فتأخذ النفس من شدة الإِعجاب به حالة ربما عبروا عنها بالإِغماء.

أنشد عمرو بن سالم المالقي في مجلس أبي محمد عبد الوهاب أبياتاً لبعض الأندلسيين، منها: