ورأوا حصى الياقوت دون نحورهم ... فتقلدوا شهب النجوم عُقودا
فأخذ أبا محمد حالٌ من الإِعجاب بهذه الأبيات حتى تصبّب عرقاً، وقال: إني مما يقهرني، ولا أملك نفسي عنده: الشعرُ المطبوع.
وروى حماد بن إسحاق: أن أباه قال له: كان العباس بن الأحنف، إذا سمع شيئاً استحسنه، أطرفني به، وأفعل معه مثل ذلك، فجاءني يوماً ووقف بين البابين، وأنشد لابن الدمينة:
ألا يا صَبا نجد متى هجت من نجدِ ... لقد زادني مسراك وجداً على وجد
إلخ الأبيات، ثم ترنحّ ساعة، وقال: أنطح العمودَ برأسي من حسن هذا؟ فقلت: لا، ارفق بنفسك.
وكان سعيد بن المسيب ماراً ببعض أزقة البصرة، فسمع منشداً ينشد قصيدة لمحمد بن عبد الله النميري يقول فيها:
تضوعّ مسكاً بطن نعمان إذ مشت ... به زينب في نسوةٍ خفراتِ
يخبئن أطراف البنَان من التقى ... ويخرجن جنحَ الليل مُعتجرات
فضرب سعيد برجله الأرض، وقال: هذا -والله- يلذ سماعه.
وصام أبو السائب المخزومي يوماً، فلما صلى المغرب، وقدمت له المائدة، خطر بقلبه بيتا جرير:
إن الذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلاً بعينك لايزال مَعينا
غيّضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
فاشتد ارتياحه لهما، حتى حلف أن لا يفطر في تلك الليلة إلا على هذين البيتين.