والشعر الحائز لمزيتي الإبداع في الناحيتين: اللفظية، والمعنوية، هو الذي يستحق أن يوصف بالبراعة على الإِطلاق، وهذا هو الذي يتنافس الناس في روايته، ويكثرون من ترديده على ألسنتهم، وهو الذي يتجه الأدباء إلى اختياره من أشعار الشعراء؛ كما فعل أبو العباس المبرّد، في كتاب اسمه:"الروضة"، بدأ فيه بأبي نواس، وأورد فيه طائفة لشعراء عصره، وكما صنع كل من أبي محمد عبد الله بن الفياض، وأبي الحسن علي بن محمد السماطي؛ حيث اختار كل منهما من مدائح الشعراء لسيف الدولة عشرة آلاف بيت، وكما اختار ابن سعيد الأندلسي من ديوان كل شاعر بيتاً جعله ملك شعره، وجمع من ذلك كتاباً سماه:"ملوك الشعر".
والشعر الحائز للمزيتين هو الذي يقولون في مثله: كان الأمير أو العالم الفلاني كثيراً ما ينشد قول الشاعر كذا؛ كما قالوا: كان سيف الدولة يكثر من إنشاد قول أبي تمام:
من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا
وكان الناصر كثيراً ما ينشد قول الشهاب التلعفري:
وتفردت بالجمال الذي خلا ... ك مستوحشاً بغير رفيق
وكان أبو منصور قايماز كثيراً ما ينشد قول أسامة بن منقذ:
إذا أدمتْ قوارضُكم فؤادي ... صبرت على أذاكم وانطويتُ
وجئت إليكمُ طلقَ المحيا ... كأني ما سمعتُ وما رأيتُ
والشعر الممتاز بالإِبداع في تأليف لفظه وتصوير معناه: هو الذي يرتاح له صاحب الذوق اللطيف في أدب اللغة، ويبدو أثر هذا الارتياح في حال، أو قول يدل على شدة إعجابه به.