ثم كلا، إن ذلك لا يجدي نفعاً ولا يطفئ لوعة، بل المراد إيقاد نار الغيرة على استرجاع ما أورَثَنَاه آباؤنا الأولون.
وليست العلة في تجافينا عن هذه الفنون وعدم تعهدها بالتنمية إلى أن أصبحت بضاعتها لدينا مزجاة، إلا ما خيل إلى بعض الجاهلين بحقائقها من أنها حية تسعى، تساور الأفكار فتلسع عقائدها الصحيحة:
واذ امرؤ لسعته أفعى مرة ... تركته حين يُجَرُّ حبلٌ يفرق
ثم سرت عدوى ذلك الوهم إلى إحساسات كثير ممن يظن بهم القيام بأحمالها الخفيفة، ولربما تحاشى عن تعاليمها بعض العالمين بما فيها من المنافع، رهبة من إساءة الظن به واتهامه بالإلحاد الذي تزعم العامة أنه منقوش على كل سطر من صحائفها. هذا مع إخلادنا إلى الخمول إخلاد مهيض الجناح إلى الأرض، فلا تتطاول أعناقنا أو تشخص أبصارنا إلى الاستطلاع عن الوسائل التي تأخذ بساعد الأمة إلى التدرج في طبقات السؤدد والاستعلاء، فنسعى لها سعيها.
ومن الناس من أُشربوا في قلوبهم اليأس والقنوط، فلا يرجون للإسلام تقدماً، فيميتون في أنفسهم كل قوة واستعداد، ويثبطونها عن المجاراة في مثل هذه الفنون، مما يُستجلب به مصلحة أو يدرأ به مفسدة، فإذا سمعوا منادياً ينادي لمراجعة التفاتنا واستدراك ما فاتنا، نغضوا إليه رؤوسهم سخرية، كأنما تطلَّبّ نشر الأموات أو كلَّفهم البلوغ إلى أسباب السماوات. سبحانك هذا ضلال مبين ننفذ له ماء الشؤون ونأسف له أسفاً أليماً.
كما أن بعض المتدربين في هذه الفنون، قد يأخذهم التعاظم شأن المقلد الأعمى إلى أن يلقوا على أفواههم كلمات يهتضمون بها جانب العلوم الدينية