الحق الذي تشتد عراه على أكنتهم إبراماً، كبر الهمة يستفز الموسر الكريم إلى أن يقول بمال الله الذي أتاه هكذا وهكذا، متحرياً به مصارف المبرات التي تقربه إلى الله زلفى.
يقف أحد أمام بعض الكبراء، فيسترسل في مخاطبته بثبات جأش وسكون في الأعضاء ومهل في القولِ، ويعقبه آخر ليقوم مقامه فيرجف فؤاده وترتعد فرائصه ويتعثر لسانه في أذيال الفهاهة، فهل يختلج في ضمير ذي عقل رشيد، أن الأَول اتسم بالقحة المذمومة، والآخر طبع على الحياء المحمود؟ معاذ الله، إنما هو كبر الهمة وضعفها، كبر الهمة وضعفها يمثلان لك الإنسانية بالسلك الذي ينظم خرزاً كثيراً تباينت معادنها شرفاً وحطة، واختلفت مناظرها سماجة وجمالا، فمن الناس من تسمو بهم نفوسهم إلى الوقوف على أسرار الهداية، فيتقلبون في أبوابها، ويتمسكون بأسبابها إلى أن تعرج بهم إلى الأفق الأعلى، فيحلون من العلم بطرقها محل القطب من الرحى، وهذا الفريق هو الذي تستضيء الأمة بانوار عقولهم، وتتوكأ على كواهلهم القوية، ولا ينوء بهم عبؤها الرزين، فيخطون بها سراعاً إلى مجادة شامخة الذرا، ويوقدون في كل شعبة منها سراجاً منيراً، ومنهم من تتضاءل هممهم حتى يتمكن الذبول والخمول من نواصيهم، فيزلقان بهم إلى الحضيض الأسفل من الحطة والرذالة، وتمحى من إحساساتهم آيات الشعور ورسوم العواطف التي يكون بها الإنسان رجلاً حقيقياً، فينشرون الخبائث نشر الفريق الأول للأفعال المحمودة، وتقهقر الأمة وشقاؤها بمقدار ما يتناسل فيها من مثل هؤلاء الأرذلين.
تجد الذين تربوا على مبدأ الإذلال والإهانة، يحبون أن تشيع فاحشة الذلة في إخوانهم الذين آمنوا، فيتغالون في إطراء كل من تزمل بثياب الهوان