منها قوله رحمه الله تعالى:"تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا "أبي بكر الفهري الطرطوشي" حديث أبي ثعلبة المرفوع "أن من ورائكم أيّاماً للعامل فيها أجر خمسين منكم" فقالوا: بل منهم، فقال: بل منكم؛ لأنكم تجدون على الخير أعواناً وهم لا يجدون عليه أعواناً، وتفاوضنا كيف يكون أجر من يأتي من الأمة أضعاف أجر الصحابة مع أنهم قد أسسوا الإِسلام وعضدوا الدين، وأقاموا المنار، وافتتحوا الأمصار، وحموا البيضاء، ومهدوا الملة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - "لو أنفق أحدكم كلَّ يوم مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أَحدِهم ولا نصيفه" فتراجعنا القول وتَحصَّل ما أوضحناه في شرح الصحيح.
وخلاصته أن الصحابة كانت لهم أعمال كثيرة لا يلحقهم فيها أحد ولا يدانيهم فيها بشر، وأعمال سواها من مرفوع الدين يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم، وخلَّصها من شوائب البدع والرياء بعدهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الدين والإِسلام، وهو أيضاً انتهاؤه، وقد كان قليلاً في ابتداء الإِسلام صعب المرام وفي آخر الزمان أيضاً يعود كذلك، لوعد الصادق - صلى الله عليه وسلم - بفساد الزمان، وظهور الفتن، وغلبة الباطل، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق، وركوب من يأتي سنن من مضى من أهل الكتاب، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لتركبنَّ سنن من قبلكم شبراً بشير وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جُحرَ ضبٍّ لدخلتموه" وقال - صلى الله عليه وسلم -: "بدأ الإِسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ"، فلابد والله تعالى أعلم بحكم هذا الوعد الصادق أن يرجع الإِسلام إلى واحد كما بدأ من واحد، ويصعب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى إذا قام به قائم مع احتواشه بالمخاوف