رعى اللهُ قبرين استكانا ببلدةٍ ... هما أسكناها في السوادِ من القلب
لئن غُيّبا عن ناظري وتبوّءا ... فؤادي لقد زاد التباعدُ في القرب
يقرُّ بعيني أن أزورَ ثراهما ... وألزق مكنون الترائبِ بالتُّرب
وأبكي وأبكي ساكِنَيها لعلَّني ... سأنجدُ من صحبٍ وأسعدُ من سُحب
فما ساعدت ورقُ الحمام أخا أساً ... ولا روَّجت ريحُ الصبا عن أخي كرب
ولا استعذبت عيناي بعدَهما كرى ... ولا ظمأت نفسي إلى البارد العذبِ
أحنُّ ويثني اليأسُ نفسي عن الأسى ... كما اضطر محمولٌ على المركب الصعب
فما زاد رحمه الله في شعره على الطبع اللفظي والمحسنات، وما أودع فيه من معنى الخطب إلا معاني مطروقة معلومة لا تستحق أن توصف بوصف الشعر، وكذلك رثى ابنه في قصيدة أخرى بمعان وإن كانت أقل شهرة من هذا إلا أنها سبق بها جمع كثير من الشعراء، وهي بعد على طرف الثمام، فلا يفيدنا سردها حكماً جديداً على شعر أبي الوليد.
* نهضته بالنظر في فقهاء الأندلس:
قلنا: إن أبا الوليد الباجي قد بعثته نفسه على الرحلة للمشرق في طلب العلم، وتلك علامة على كبر نفسه وطلبها للمعالي، فاستفاد من الثلاثة عشر عاماً التي قضاها علماً زاخراً من أئمة العصر يومئذ، وجمع بين
(١) وَهمَ من ظن أن القصيدة في رثاء ابنيه, لأنه إنما فقد أحد ابنيه في حياته وهو أبو الحسن محمد وكان ذكياً نبيلاً مرجواً لمرتبة علمية، أما ثاني ابنيه فهو أبو القاسم بلغ من العلم مبلغ خلف أبيه في مجلسه ودرسه.