لسانه بحره، وأفضى في ذلك إلى ذم المشيد والاستغراق في زخرفته والسرف في الإنفاق عليه، فجرى في ذلك طلقًا وتلا فيه قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ١٠٩ - ١١٠].
وأتى بما شاكل المعنى من التخويف للموت والتحذير منه، حتى بكى الناس وخشعوا وضجّوا وتضرعوا، وأعلنوا الدعاء إلى الله تعالى، فعلم الخليفة أنه هو المقصود به والمعتمد بسببه، فاستجدى وبكى وندم على ما سلف من فرطه، واستعاذ بالله من سخطه، واستعصمه برحمته، إلا أنه وجد على منذر بن سعيد للفظه الذي قرعه الذي به، فشكا ذلك إلى ولده الحكم بعد انصرافه، وقال:"والله لقد تعمدني منذر بخطبته وأسرف في ترويعي، وأفرط في تقريعي، ولم يحسن السياسة في وعظي وصيانتي عن توبيخي"، ثم استشاط وأقسم أن لا يصلي خلفه الجمعة أبداً، فقال له الحكم:"وما الذي يمنعك عن عزل منذر بن سعيد والاستبدال به؟ "، فزجره وانتهره، وقال:"أمثل منذر بن سعيد في فضله وورعه وعمله وحلمه لا أمّ لك، يعزل في إرضاء نفس ناكبة عن الرشد سالكة غير القصد، هذا ما لا يكون وإني لأستحي من الله تعالى ألا أجعل بيني وبينه شفيعاً في صلاة الجمعة مثل منذر بن سعيد، ولكنه وقذ نفسي وكاد يذهبها، والله لوددت أن أجد سبيلاً إلى كفارة يميني بملكي، بل يصلي بالناس حياته وحياتنا فما أظننا نعتاض منه أبداً".
"السعادة" هكذا ينبغي أن تكون حَمَلة الشريعة في الترفع عن المحاباة في الحق والتحاشي عن مجاراة الوجهاء والأعيان ابتغاء مرضاتهم، وهكذا