ينبغي أن يكون أولو الأمر في إطراح الأغراض وعدم الانتصار لها متى خاطبهم العلماء بألسنة تطهرت من المداهنة، وساقوا إليهم النصائح البليغة من سرائر لا تضمر إلا خيراً، أما تزلف العالم فمما يخلد له في وجه خطته وصمة لا ترتفع لها الأنظار إلا بسوء، ومثله تعاصي أولي الأمر عن الرجوع إلى النصائح الشرعية.
ومن أخبار منذر المحفوظة له مع الخليفة الناصر، ما روى "الحجاري" في "المسهب" قال: "إنه دخل عليه مرة وهو في قبة، قد جعل قرمدها من ذهب وفضة، واحتفل فيها احتفالاً ظنَّ أن أحداً من الملوك لم يصل إليه فقام منذر خطيباً، والمجلس قد غصّ بأرباب الدولة، فتلا قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}[الزخرف: ٣٣] الآية، وأتبعها بما يليق بذلك، فوجم الملك وأظهر الكآبة، ولم يسعه إلا الاحتمال لعظم قدر منذر في علمه ودينه"، وحضر معه يوماً في "الزهراء" فقام الرئيس "أبو عثمان بن إدريس" فأنشد للناصر قصيدة منها:
سيشهدُ ما أَبقيتَ أنك لم تكن ... مضيتَ وقد مكنتَ للدين والدنيا