للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى، وأنه لازم للمكلف: أن الفتوى إخبار محض، والحكم إخبار معناه الإنشاء والإلزام. فالمفتي مع الشارع كالمترجم مع القاضي ينقل عنه ما تلقاه منه لإشارة أو عبارة، أو فعل أو تقرير أو ترك، أما الحاكم مع الشارع، فكنائب الحاكم ينشئ الأحكام والإلزام، فكأنه قال له: أي شيء حكمت به على القواعد، فقد جعلته حكمي (١).

ويمتاز القاضي والمفتي عن الفقيه المطلق؛ بأن القضاء والفتوى أخصّ من العلم بالفقه؛ لأن الفقه يتعلق بكلي من حيث صدقه على جزئيات، نحو: "البينة على من ادّعى، واليمين على من أنكر". أما القضاء والفتوى، فقائمان على إعمال النظر في الحوادث الجزئية، وإدراك ما اشتملت عليه من الأوصاف، حق يتحقق انطباق ذلك الكلّي عليها، فحال الفقيه -من حيث إنه فقيه- كحال عالِم بكبرى القياس من الشكل الأول فقط، وحال القاضي والمفتي كحال عالِم بها مع علمه بصغراه، فالفقيه -مثلاً- يعلم أن البينة على المدّعي، وقد يخفى عليه متى عرضت عليه نازلة من هو المذعي من الخصمين؟ وتمييز المدّعي من المدّعى عليه في النوازل الجزئية من شأن القاضي والمفتي.

وللقاضي صفات هي شروط في صحة ولايته معروفة في كتب الفقه. وهي: الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والذكورة والعلم والعدالة.

وشرط (الذكورة) معروف بين علماء الإسلام في القديم والحديث، ومن شواهده: ما جاء في الصحيح من قوله - عليه الصلاة والسلام -: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة"، ونسبوا إلى ابن جرير الطبري: أنه يجيز أن


(١) "الإحكام في الفتاوى والأحكام" للقرافي.