وأما الصداقة، فتقدح في الشهادة متى اشتدت، ويلغت النهاية؛ إذ يكون صاحبها مظنة أن تنحرف به تلك العاطفة القوية عما توجبه العدالة، ومن أمارتها: أن يبسط كل منهما يده في مال الآخر.
وأما العداوة، فتقدح في الشهادة متى كان منشؤها أموراً دنيوية، فإن كانت ناشئة من انتهاك الشخص حرمة من حرمات الشريعة، لم تعد في قوادح الشهادة؛ إذ لا تلحقه تهمة الشهادة عليه زوراً، وشهادة الزور من كبائر ما حرّمه الدين.
وأما كون الشهادة تجرّ إلى الشاهد مغنماً، أو تدفع عنه مغرماً، فقد قالوا: لا تجوز شهادة رب الدين لمدينه المعسر، ولا الشريك لشريكه فيما يرجع إلى شركتهما، ولا المولى لعبده.
وأما ظهور حرص الشاهد على أداء شهادته، فيعد قادحاً متى تعلقت الشهادة بحقوق العبادة إذ يثير ظهور حرصه شبهة أن تكون شهادته من قبيل ما يجرّ إليه نفعاً من المشهود له؛ كأن يتقدم بشهادته إلى مجلس القضاء قبل أن يطلبه المشهود له، وإنما الشأن أن يعلمه بها، وهو الذي يطلبه لأدائها في مجلس القضاء. وأما الحرص على أداء الشهادة في حقوق الله، فليس بقادح؛ إذ لا يثير تهمة جرّ منفعة دنيوية.
وصفوة البحث: أن العدالة متى ثبتت، أوجبت لصاحبها قبول شهادته، ولا يقدح فيها مجرد قرابته من المشهود له، أو عداوته للمشهود عليه. ولكن التربية الدينية الصحيحة التي كانت سائدة في النفوس تضاءلت حتى لم تبق العدالة من القوة بحيث تسقط بجانبها تهمة محاباة أب أو ابن أو أخ، أو تهمة