للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا خلاف في الحكم بها، وقد جاء العمل بها في مسائل اتفقت عليها الطَّوائف الأربعة، وبعضها قال به المالكية خاصة. وقال ابن القيم: "الأحكام الظاهرة تابعة للأدلة الظاهرة من البينات والأقارير وشواهد الأحوال، وكونها في نفس الأمر قد تقع غير مطابقة، ولا تضبط، أمر لا يقدح في كونها طرقاً وأسباباً للأحكام، والبينة لم تكن موجبة بذاتها للحد، وإنما ارتباط الحد بها ارتباط المدلول بدليله، فإن كان هناك دليل يقاومها، أو أقوى منها، لم يلغه الشارع، وظهور الأمر بخلافه لا يقدح في كونه دليلاً؛ كالبيّنة والإقرار".

ومن الفروع التي ذكرها المالكية والحنفية في الاعتماد على القرينة: أناّ إذا رأينا رجلاً مذبوحًا في دار، والدم يجري، وليس في الدار أحد، ورأينا رجلاً قد خرج من عنده سريع الحركة في حالة خوف وفزع، ومعه سكين في يده، علمنا أنه الذي قتله، وكان لوثاً يوجب القسامة، والقود.

وفي كتب الفقه فروع كثيرة مبنية على الاعتماد على قرائن الأحوال (١).

اعتبار الرسول وأصحابه لها:

مما يشهد لاعتبار القرائن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الملتقط بدفع اللقطة لمن وصفها؛ بأن يعرف عفاصها ووكاءها (٢)، فوصْفُه لها على هذا النحو المذكور أمارة على أنه صاحبها، فاستحقها بهذه الأمارة. وروى ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبد الله، قال: أردت السفر إلى خيبر، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت له: إني أريد الخروج إلى خيبر، فقال: "إذا أتيت وكيلي، فخذ منه خمسة عشر


(١) انظر: "التبصرة"، و"معين الحكام".
(٢) العفاص: الوعاء. والوكاء: الرباط.