مثل: القارورة، تسمى قارورة؛ لاستقرار الماء فيها، فكل ما في معناها يسمّى قارورة. قيل لابن درستويه: وماذا تقول في الجبّ يستقر الماء فيه، هل يجوز أن يسمّى: قارورة؟ قال: نعم، قيل: فما تقول في البحر والحوض؟ فالتزم ذلك، فاستبشعوا ذلك منه، وشنّعوا عليه.
قال أبو إسحاق الإسفراييني:"قلت لأبي الحسن -أيش إذا أخطأ واحد في القياس، بل كان من سبيله أن يحترز فيه بنوع من الاحتراز؛ بأن يقال: ما يستقر فيه الماء، ويخف عن اليد ونحوه).
ومنشأ الخلاف: أن اشتقاق الاسم من الوصف مبنيٌّ على رعاية: أن العين التي استعمل فيها قد اشتملت على معنى ذلك الوصف، وإذا كان وضع الاسم مبنياً على رعاية اشتمال العين على معنى الوصف، فمن المحتمل أن يقول قائل بصحة استعمال الاسم في كل عين تحقق فيها هذا الوصف، ولكن قصر العرب الاسم على نوع خاص من الأعيان لا يتجاوزونه في الاستعمال، يشعر بأن العرب قصدوا بأن يكون هذا الاسم خاصاً بالنوع الذي جرت عادتهم بإطلاقه عليه. فيكون هذا النوع هو الحقيقة، واستعماله في غيره -ولو تحقق فيه وجه التسمية- استعمالاً للفظ في غير ما وضع له. فالعرب -مثلاً- سمّوا الناقة تكون في أوائل الإبل عند الورود: "السُّلوف"، والظاهر أن هذا الاسم مأخوذ من سَلَف سَلَفاً وسُلوفاً؛ أي: تقلَّم، فلو أراد أحدٌ أن يستعمل السلوف في العربة الأولى من عربات متتابعة، لم يمنع من هذا الاستعمال مانع، وإنما يختلفون في طريق الاستعمال: أهو الحقيقة؛ لأن وجه التسمية الذي هو السَّلَف بمعنى التقدم متحقق في العربة الأولى، أم هو المجاز القائم على عدم وجه التسمية وجه شبه؟ وهذا هو الراجح فيما نرى.