للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يرجع إلى الفرق بين اسم الصفة واسم العين في الاستعمال: أنك لا تستعمل اسم الصفة إِلا أن تفهم معنى الصفة، فلا تقول: افترسَهُ أسَدٌ وِرْدٌ إِلا أن تعرف معنى الوِرْد الذي جعلته صفة للأسد، أنها اسم العين، فإنك تستعمله في العين، وإن لم تدْرِ الوصف الذي يشير إليه الاسم، فتقول: فرَّ من القَسْوَرَة؛ أي: الأسد، مأخذ هذا الاسم، وما يشير إليه من القَسْر، وهو القَهْر.

وربما أراد العرب من الأسماء المُراعى فيها وجه التسمية: الأعيان، غير ملاحظين ما تشير إليه تلك الأسماء من صفات، فالمَشْرَفيُّ -مثلاً- هو في الأصل: صفة للسيف، على معنى: أنه صنع في مشارف الشام، وكثر استعمال المشرفي وصفاً للسيف، حتى صار ذكره يغني عن ذكر السيف؛ كما قال امرؤ القيس:

أيقتلُني والمَشْرَفِى مُضاجعي ... ومَسْنْونةٌ زرْقٌ كأنيابِ أغْوالِ

وصاروا بعدُ يستعملونه في السيف غيرَ ملاحظين كونه مصنوعاً في المشارف، فيقول قائلهم: تقلدت المشرفيَّ، يريد: السيف، ولم يكن مصنوعاً في مشارف الشام، ولا أظنّ المتنبي عند ما قال يمدح سيف الدولة:

ولا كُتْب إِلا المشرَفيَّة عنده ... ولا رسُلٌ إِلا الخميس العَرَمْرمُ

قد أراد بالمشرفيّة: السيوف التي صنعت في مشارف الشام، بل مقام المدح يستدعي أن يكون سيف الدولة يهيئ للعدو سيوفاً ماضية، ولا يلاحظ في هذا المقام أن تكون من صنع المشارف، بل لا يلزم أن تكون صادرة من هذا المصنع، كما يقولون: المُهَنَّدُ، ولا يلاحظون أن يكون مصنوعاً في الهند، ويسمّون الرمح: رُدْيْنياً، وإن / يكن من صنع رُدَيْنة؛ أعني: المرأة التي كانت هي وزوجها يصنعان الرِّماح.