كأنَّ الخيلَ غايةُ مُستطاعٍ ... وأسرعُ نافذٍ بكَ في فَلاةِ
وفي سنة ١٣٣٤ هـ زاره أحد المحامين من أدباء طرابلس الشام بكتاب ألّفه في أدبيات اللغة العربية، ورغب إليه أن يطالعه، وينبهه على ما يحتاج إليه من زيادة وإصلاح. وبعد أيام زاره صاحب الترجمة بمكتب المحاماة، وكان بجانبه أحد الشيوخ من أقاربه، فأخذ ذلك المحامي يخوض في سياسة الدولة، ويشير إلى تأليف حزب يعمل ضدها، فقام صاحب الترجمة في معارضته، وأقام له الشواهد على سوء عاقبة هذا الرأي، حتى انقطع عن الكلام، وطُويَ بساطُ المجلس. وبعد شهرين وقفت الحكومة على ما جرى في ذلك المجلس لإبلاع من بعض أقارب المحامي نفسه، فاستدعت دائرة الشرطة صاحب الترجمة يوم عشرين في رمضان من تلك السنة بالحقيقة، وتيقنت براءته من المشاركة في ذلك الغرض، واعتذر على عدم المبادرة إلى إعلام الحكومة بما صدر من ذلك المحامي: أنه لم يكن بيده دلائل وأمارات يستطيع أن يثبت بها ما يدعيه على ذلك المحامي متى أقام قضية، وطالبته الحكومة بالإثبات.
والقانون يقتضي عقوبة من يتهم إنساناً بجريمة سياسية، ثم لا يثبتها ببينة، وقصَّ لهم حادثة رجل امتلأ منه الوالي غيظاً، وطرده من ساحته بعلّة أنه أبلغه بعض حوادث، ولما بحث عنها، لم يجد لها ما يصدقه. ورجل آخر اتهم فريقاً بمساعي ضد الحكومة، فلم تأخذ قوله على علاته، بل أودعته السجن، وطالبته بإثبات ما يدعيه على أولئك الفريق، فقنعت دائرة الشرطة بهذا الاعتذار، ووقع الإذن باعتقال صاحب الترجمة إلى أن تنتهي قضية المتهمين، فاعتقل في جملتهم بخان (مردم بك) ستة أشهر وأربعة عشر