للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوماً، ولما عرضت أوراقه على المحكمة العرفية، أحضرته، وبحثت معه في القضية بتدقيق، ثم حكمت ببراءته، بل قدمت إلى جمال باشا طلباً بمكافأته، وقال له رئيس المحكمة العرفية فخري باشا يوم استدعاه من المعتقل ليخبره بحكم البراءة على ملأ من الناس: اطلب ماذا تريد، ونحن نسعى لك عند الدولة، فأجاب بأنه لا رغبة له في شيء، ولامه بعض الحاضرين من أعيان طرابلس الشام على عدم انتهاز هذه الفرصة، ولكن صار بعد ذلك يذكرها له في شواهد عدم الالتفات إلى المنافع المادية.

اعتقل صاحب الترجمة، ولم يتزحزح عن مبدئه، بل كان وهو في نفس المعتقل يجادل المتطرفين في الإنكار على الدولة، حتى قال بعض أعيان السوريين الذين صاحبوه في المعتقل: ما رأينا رجلاً يدافع عن الحكومة وهو بين جدران سجنها إلا فلاناً، يعنون: صاحب الترجمة.

ولما وصل خبر اعتقاله إلى الآستانة، كلّف وزير الحربية أحد رؤساء بعض أقسامها إرسال تلغراف على لسانه إلى جمال باشا يأمره بأن لا يفصل في قضية صاحب الترجمة شيئاً إلا بعد عرضها على وزارة الحربية بالآستانة.

وقدّم صاحب الترجمة إلى المحكمة العرفية -زيادة على الجواب الشفاهي- دفاعاً نثراً، وآخر شعراً يقول في أوله:

يسوسُ أخو الفِكْرِ القَضايا ويفصلُ ... وما كلُّ مَنْ ساسَ القضيةَ يَعْدِلُ

وما ضلَّ وجهُ الحقِّ عن رأي باحثٍ ... وإن راح في بحر الدّجى يَتَوَغَّلُ

ويلبس من صُنع القضاءِ مَحامِداً ... إذا كان من باب العَدالةِ يَدْخُلُ

فيا مجلسَ الحكّامِ دونَكَ بعضَ ما ... أرَتْنا الليالي والحقائق تُنْقَلُ