ومنذ انتصب لإلقاء الدروس، قبل ولايته التدريس بصفة رسمية، عظُمت مكانته في نفوس الطلبة، وذاع صيته في العلم الصحيح، والفكر الحر، فأصبح قائداً من قادة الفكر ذوي النفوذ البليغ في نفوس الشباب، واشتد تعصب الطلبة الزيتونيين له، وعظم اعتدادهم به.
وكانت الحركة الفكرية يومئذ متطلعة إلى بروز نشرة دورية تتناول ما كان يدور في الأفكار والمجادلات من بحوث ونقود، ولم يكن قد صدر قبل ذلك في البلاد التونسية من الدوريات غير الصحف، فتطلعوا إلى إيجاد مجلة، فكان مترجَمُنا العظيم هو الذي انتدب ليسدد ذلك العوز، فأصدر أول مجلة عربية في البلاد التونسية، وهي مجلة "السعادة العظمى" التي صدرت في شهر المحرم سنة (١٣٢٢ هـ - ١٩٠٤ م).
وبقدر ما أحاط بمجلة "السعادة العظمى" من القبول الحسن والتأييد، وما قابلتها به الصحف من ترحيب، وما انثال عليها من التقريظ بالرسائل والقصائد من طرف رجال العلم وطلاب الشباب، فإن كثيرين آخرين قد ساءهم مطلعها، وآلمهم ما بدت به من نزعة إلى حرية النقد، ودعوة إلى احترام التفكير، وتأييد لفتح باب الاجتهاد، بمناداة صاحبها في المقال الأول الذي قدم به مجلته بقوله:"إن دعوى أن باب الاجتهاد قد أُغلق، هي دعوى لا تُسمع إلا إذا أيدها دليل يوازن في قوته الدليلَ الذي فتح به باب الاجتهاد أولاً"، فثارت الثائرة في وجهه ووجه مجلته من جلّ هذه المقالة وأمثالها، وقامت هيئة النظارة العلمية بحامع الزيتونة الأعظم تعارض في صدور المجلة، وتطالب الحكومة بتعطيلها؛ وكانت بذلك مجلبة لكثير مما نال صاحبها من الاضطهاد طيلة مقامه بتونس.