وانتهيتُ إلى الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب وبالسلب في آن واحد، دون الشعور بأيّ تناقض:
أجبتُ بنعم؛ لأنّ رَبَّ أيَّةِ صناعة لابدّ أن يتأثّر بصناعته تأثّراً يقوى حيناً، ويضعف حيناً. ولكن هذا التأثّر لا يبلغ مبلغ الانتقاص من قيمة إنتاج المنتج إذا كان يمتلك أدوات الإنتاج؛ وذلك ما أثبتناه قبلُ لصاحبنا.
فالفقيه -أيُّ فقيه- لا يَعيب شعرَه أنّه فقيه، بل يعيبه أنه لا يملك ما يُنتجِ به الشعر؛ بأن يكون ضَحْلَ الخيال الذي يولّد به الصُّوَر الشعريَّة، أو يكون غيرَ قادر على التصرّف في اللّغة التي يعبّر بها عن صُوَره، برغم أنه يعرفها حقَّ المعرفة، بوصفه فقيهاً دارساً لكتاب الله تعالى، ولسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهما من أروع النّصوص الأدبية التي تميّزت بها الفغة العربية. واستدللتُ على أنّ وصف المنتج بالفقيه لا يعيب شعره حتماً، بأمرين:
أوّلهما: أنّ من كبار الفقهاء، بل المجتهدين منهم، مَنْ كان معروفاً بالشاعريّة، وعنيت بذلك خاصة (الإمام الشافعي)، الذي جُمع له من شعره ديوانٌ، والذي يعتز بذلك الشعر، ويصل به الأمر إلى حد أن يفخر -وهو المتواضع- بشاعريّته، فيقول:
ولولا الشعرُ بالعلماءِ يُرزي ... لكنتُ -اليومَ- أشعرَ من لَبيدِ
ومن هذا القبيل: أن أهل الفكر والأدب، شعرِه ونثره، لم يكن أيٌّ منهم في المجتمع الإسلامي ليخلوَ من تمكّن من (الثقافة الإسلامية)، بما فيها: الفقه وأصوله، والعقائد ... ونحوها، ومع ذلك، فقد برع منهم مَن لا يحْصَون عدّاً في الإنتاج الأدبي -ومنه الشعر-، دون أن يُعاب أحدٌ منهم بفقهه أو عقيدته، وكفانا هنا ذكر (الجاحظ)، وما له من شهرة بالبراعة في النثر العربي، وهو