للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاحب مذهب فيه، كما أنه صاحب مذهب في العقائد.

لكن لا يمكننا أن ننكر -مع كل ما ذكرناه- أن للفقيه حدوداً خلُقيّة يقف عندها، ولا يسمح لنفسه أن يتجاوزها في سبيل أن يوصف إنتاجه الشعري أو غيره بأنه جيّد. كما أنّ له قِيَماً ومبادئ تتسرّب في شعره- حتى إذا لم يتعمّد إقحامها - تأثّرَاً بمكوّناته ... بينما يتحللّ منها الشاعر غيرُ الفقيه، بما يُكسبه قَبولاً عند قرّائه ومستمعيه، ويجعل حظّه في النجاح أوفر.

وخاصّة لدى الشبّان، والمتطلّعين إلى دغدغة العواطف! وقديماً قيل: "الشعر نكِدٌ ... يضعف في الخير، ويقوى فيما عداه"، أو ما في معناه.

وقد ختمتُ هذا الاستدلال الأول بذكر (أبي العتاهية) في طوره الثاني، حين أعلى في شعره الزهد ... وقلتُ هنا: إنّ أحداً لم يقل بأنّ هذا الشاعر لم يعد في هذا الطور شاعراً؛ لأنه تزهّد، ومال إلى القول في الأخلاق والدين، وركّز بدل الدنيا على الآخرة. وأشرت إلى أنّه لم يحتفظ بمكانته الشعريّة إلّا لأنّ اكتمال أدواته الشعريّة لم يزُل عنه. وكذلك كل شاعر، ولو كان فقيهاً كالشيخ الخضر؛ مع بقاء الفوارق القائمة بين أيّ شاعر وآخر، أو طبقة وأخرى من الشعراء، طبعاً.

وثانيهما: -أي: ثَاني الاستدلالَيْن-: أنّه لا فرق عندي بين الشاعر الفقيه، والشاعر الحقوقي، وغيرهما من أصحاب الاختصاصات العلمية الأخرى، في عصرنا وبلدنا، وفي سواهما من الأعصار والأمصار، ومن أمثلة ذلك:

أ - في تونس:

- الشاعر الحقوقي: محمد الهادي المدني.

- الشاعر الصيدلاني: الحبيب جاوحدو.