للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عرفتُكَ إذ زُرْتُ الوزير (١) وقَدْ حَنا ... عَلَيِّ بإقبالٍ وأنتَ شَهيدُ

فكانَ غروبُ الشَّمسِ فجر صداقةٍ ... لها بينَ أحناءِ الضُّلوعِ خُلودُ

ألَمْ تَرْمِ في الإصلاحِ عن قَوس ناقدٍ ... درى كيف يُرعى طارِفٌ وتَليدُ

وقُمتَ على الآداب تحمي قديمها ... مخافةَ أن يَطغى عليه جديدُ

أتذكُرُ إذ كُنَّا نبُاكر معهداً ... حُميَّاهُ عِلْمٌ والسُّقاةُ أُسودُ

أتذكُرُ إذْ كُنَّا قَريْنَينِ عِنْدَما ... يَحِينُ صُدورٌ أو يَحِينُ وُرودُ

فأين ليالينَا وأسمارُها التي ... تُبَلُّ بها عِندَ الظّماءُ كُبُودُ

ليالٍ قضيناها بتونسُ ليْتَها ... تعودُ وجيشُ الغاصبينَ طَريدُ

وعندما بلغه تولّي صديقه ابن عاشور القضاء بتونس سنة (١٣٣٢ هـ) هَنّأه بقصيدةٍ من ثلاثةَ عشرَ بيتاً، وكان يومَها بدمشق، أذكر منها (٢):

بسطَ الهناءُ على القلوب جناحا ... فأعادَ مُسوَدَّ الحياةِ صَباحا

إيهٍ مُحَيّا الدهرِ إنَّكَ مؤِنسٌ ... ما افترَّ ثغرُكَ بِاسماً وضَّاحا

وتَعُدُّ ما أوحشتنا في غابرٍ ... خالاً بوَجْنَتِكَ المُضيئة لاحا

لولا سوادُ الليلِ ما ابتهج الفتى ... إنْ آنَسَ المصباحَ والإصباحا

ياطاهرَ الهِمَمِ احتمَتْ بكَ خُطَّةٌ ... تبغي هُدًى ومروءة وسماحا

سحبتْ رداءَ الفخرِ واثقةً بما ... لكَ من فؤادٍ يعشقُ الإصلاحا


(١) الوزير: هو محمد العزيز بوعتّور، وقد من ذكره، وفي البيت اشارة إلى أول لقاء بين الخضر حسين وابن عاشور.
(٢) "خواطر الحياة" (ص ٦٥ - ٦٦).