للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ستشدُّ بالحزمِ الحكيمِ إزارَها ... والحزمُ أنفسُ ما يكونُ وِشاحا

أنسى ولا أنسى إخاءكَ إذْرمَى ... صرفُ الليالي بالنَّوى أشباحا

أسلُو ولا أسلُو عُلاكَ ولو أتتْ ... لبنانُ تُهدي نَرجِساً فيّاحا

أوَلَمْ نكُن كالفَرْقَدَيْنِ تَقارَنا ... والصَّفْوُ يملأُ بيننا أقداحا

ويلحظ القارئ لهذه الأبيات عظمَ المحبّة والمودّة التي نشأت بين هذين العَلَمَيْن التونسيين، بدءاً من عهد الطلَّب، وانتهاءً بافتراق الرجلين كل منهما في قطر، وهي تشير إلى الاحترام وتقدير العلم عنده، ونزعة الإصلاح التي يميل إليها الشيخ الطاهر، ويشاركه فيها محمد الخضر حسين، وقد بلغ من مقدار حبّه له: أنْ مسألة بعض الأدباء: كيف كانت صلتكم بالشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تونس؟ فأجابه بهذه الأبيات (١):

أَحْبَبْتُهُ مِلْءَ الفؤَادِ وَإنَّما ... أحْبَبْتُ مَنْ ملأَ الوِدادُ فؤادَهُ

فظفرتُ مِنْهُ بصاحِبٍ إنْ يَدْرِ ... مَا أشْكُوهُ جافَى ما شَكَوْتُ رُقادَهُ

ودَرَيَتُ منه كما دَرَى منّي فَتًى ... عَرَفَ الوفاءُ نِجَادَهُ وَوِهَادَهُ

ويقول فيه (٢): ولما كان بيني وبينه من الصداقة النادرة المثال، كنّا نحضر دروس بعض الأساتذة جنباً لجنب؛ مثل: دروس الأستاذ الشيخ سالم بو حاجب لـ "شرح القسطلاني على البخاري"، ودرس الأستاذ الشيخ عمر بن الشيخ لـ "تفسير البيضاوي"، ودرس الأستاذ محمد النجار لكتاب "المواقف"، وكنت أرى شدّة حرصه على العلم، ودقّة نظره؛ متجلّيتين في لحظاته وبحوثه.


(١) "خواطر الحياة" (ص ٩٠).
(٢) "تونس وجامع الزيتونة" (ص ١٢٥ - ١٢٦).