ونعرف أن أبا القاسم نفسه كون صلات أدبية قوية بأدباء المشرق، وخاصة مصر، وفي مقدمتهم:(جماعة أبولو) التي كان يتزعمها الشاعر الشهير (أحمد زكي أبو شادي) الذي أصدر أول مجلة شعرية عربية تحمل عنوان (أبولو)، على صفحاتها ظهر شعر الشابي، وكان لها أكبر الفضل في تعريف قراء العربية به على نطاق أوسع من النطاق التونسي الصرف، مما أنشأ لسمعته رصيداً ملحوظاً،
وكثر من ذلك، فإن أحمد زكي أبا شادي كان صاحب مجموعات شعرية متعددة، ولعله أول شاعر عربي معاصر يصدر شعره في مجموعات بدل ديوان واحد. ومن تلك المجموعات: ديوان بعنوان "الينبوع" الذي كان صدر مصدراً بمقدمة كتبها أبو القاسم الشابي.
ولنتصور أبعاد هذا الموقف، وأي معنى يحمله: زعيم مدرسة شعرية متطورة، يبشر بها عن طريق مجلة ينشئها خصيصاً لذلك، يضع ثقته في شاعرنا التونسي؛ ليتولى تقديمه إلى قرائه في ديوان من أهم دواوينه.
ذكرنا -أو أشرنا- إلى أن محمد الخضر بن الحسين قد ارتحل إلى المشرق، ونذكر أنه تنقل بين مختلف أجزائه، وقام في كل منها بنشاط يستحق الذكر، في "الآستانة""تركيا"، وفي "دمشق" إذ أقام حيث أقام بعض أفراد أسرته، وخصوصاً الشيخ زين العابدين بن الحسين. ثم استقر به المقام -كما سبق- في مصر التي أصبح فيها قطباً من أقطاب العلم والأدب والاجتماع، مما لا يتسع المقام لبسطه، وتسنَّم أعلى المناصب الدينية واللغوية.
هذه بعض الحقائق التي ارتأينا بسطها قبل عرض الظاهرة الأدبية التي أومأنا -منذ البداية- إلى أنها تجمع بين أديبينا: الشابي، وابن الحسين، بصفة