توشك أن تكون متعمدة، حتى كأن كلاً منهما يترصد خطا الآخر فيها، سواء في الشعر، أو في النثر، رغم ما بينهما من الفوارق، في التوجه الأدبي، والمنزع الشخصي:
فأبو القاسم الشابي كان ممتلئاً شباباً، وميلاً نحو التجديد إلى حد الثورة، وتعاملاً مع حداثي زمانه، وتأثراً بالأدب المهجري والأجنبي.
ومحمد الخضر بن الحسين كان شيخاً رصيناً، يتسم بالمحافظة، سواء عندما كان في تونس، أو عندما ارتحل عنها، وكان قوام معارفه: الدين، والأصالة اللغوية.
أقول هذا عن الشيخ الخضر، رغم علمي بأنه كان -هو الآخر- يحمل بذور الثورة، ولا مجال هنا للحديث عن أسباب هجرته من تونس، وهي وليدة ثورة عن موقفه في تركيا، وردود الفعل التي ترتبت عليها، أو عن مساهماته في النضال ضد المستعمرين .. ولكن يكفي أن أشير إلى أنه كان معنياً بإشاعة معاني التحرر الصحيح، ولا أدل على ذلك من كتابه الذي أصله محاضرة ألقيت بتونس، ودرس فيها بعناية معنى "الحرية في الإسلام".
وأخلُص إلى (الظاهرة) التي دعتني إلى الحديث عن الرجلين، فأقتصر هنا على ذكرها، وأفسح المجال أمام الآخرين ليبحثوا فيها، إن أرادوا، وقد أعود إليها في فرصة، أو فرص أخرى.
والظاهرة بسيطة في ذاتها، كما قلت من قبل، ولكنها تنم عن نوع آخر من الاشتراك بين أديبينا، اشتراكاً قد تكون بواعثه نفسية، أو بيئية، أو غير ذلك، رغم الفوارق التي ألمعنا إليها بينهما. وتتجلى تلك الظاهرة من جهة: في إنتاجهما الشعري، وبالخصوص