للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فداه الله بذبح عظيم، وحدثنا عن يعقوب - عليه السلام -: أنه ابتلي بفقد يوسف، وحزن عليه حزناً طويلاً، وكان عاقبة تسليمه الأمر إلى الله أن التقى به في أطيب حال، وأعز مقام. فلمَ لا يحدثنا عن أيوب - عليه السلام - بأنه ابتلي بمرض شديد، وانقطاع عن الأهل، فما كان منه إلا الصبر والرضا، وكان عاقبة صبره الجميل عافية ضافية، وانتظامَ الشمل بعد تقطع.

ويدرك عظمَ بلاء المرض من تقلب في الأوجاع ليالي وأياماً، ويعرف شدة مصيبة الانقطاع عن الأهل من تمزق شمله بعد اجتماع، وابتعد عمن يعز عليه بعد معاشرة وإيناس.

قال صاحب المقال: "وفاتهم خامساً: أن حديث حلف أيوب، والرخصة له بالخلوص منه على ذلك الوجه أشبهُ شيء بالعبث الذي لا يليق بالمخلوق، فضلاً عن الخالق العلي الحكيم؛ إذ المعقول: أن العبد إنما يحتال للخلوص من الرب، فكيف يحتال الرب للخلوص من نفسه؟ فهو تعالى المحلوفُ به، وهو تعالى الدالُّ على الحيلة فيما يزعمون".

تخيل كاتب المقال أن تفسير أهل العلم لقول الله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] يجعل الآية من قبيل دلالة الله تعالى لأيوب على حيلة للتخلص من موجب اليمين، والواقع أنهم لا يفهمونها على هذا المعنى، وإنما يفهمونها على أنها شرع حكم من الله روعي فيه جانب الرحمة بمن حلف أيوب - عليه السلام - على ضربه، فهو حكم صدر على وجه الفتوى لأيوب خاصة، أو له ولقومه عامة، وعلى كل حال، فهو شرع معناه: أن الضرب بضغث يشتمل على مئة عود - مثلاً - يحقق عند الله تعالى غرض الحالف على الضرب بمئة سوط، وهو بهذا الوجه لا يدخل في نوع الحيل