ثم جعل عضواً في اللجنة التي ألفتها حكومة تونس للبحث عن حقائق في تاريخ تونس، ثم ترك ذلك لما عزم على المهاجرة إلى الشرق. فرحل إليه، ونزل مصر، وعرف بعض فضلائها، ثم سافر إلى الشام، ثم للمدينة، ثم للقسطنطينية، ثم عاد إلى دمشق معيناً مدرساً لفغة العربية والفلسفة بالمدرسة السلطانية بها، وبقي كذلك إلى أن اتهمه مدة الحرب العظمى جمال باشا حاكم سورية بكتم حال المتآمرين على الدولة، واعتقله سنة أشهر وأربعة عشر يوماً، ثم حوكم، فبرئ من التهمة، فاطلق سبيله في شهر ربيع الثاني سنة ١٣٢٥ هـ.
ومن شعره في حبسه، وكانوا حالوا بينه وبين أدوات الكتابة:
غلّ ذا الحبس يدي عن قلم ... كان لا يصحو عن الطرس فناما
هل يذود الغمض عن مقلته ... أو يلاقي بعده الموت الزؤاما
أنا لولا همة تحدو إلى ... خدمة الإسلام آثرت الحِماما
ليست الدنيا وما يقسم من ... زهرها إلا سراباً أو جهاما
ثم استمر في التدريس بالمدرسة بدمشق، إلى أن دعي إلى القسطنطينية سنة ١٣٢٦ هـ، فجعل منشئاً عربياً بوزارة الحرب، وواعظاً بجامع الفاتح، فبقي كذلك إلى سنة ١٣٢٧ هـ، ففارق الآستانة، وعاد إلى دمشق، وقال في ذلك:
أنا كأس الكريم والأرض نادٍ ... والمطايا تطوف بي كالسقاة
ربَّ كأسِ هوت إلى الأرض صدعاً ... بين كفٍّ تديرها واللهاة
فاسمحي يا حياةُ بي لبخيلٍ ... جفن ساقيه طافح بالسبات