قال يوم الوداع وهو يعاني ... سكرة البين: ليتني ما عرفتك
قصد أول أمره مصر، فاتصل بعدد من علمائها؛ كالشيخ رشيد رضا، ثم انتقل إلى دمشق، فأقام بها مدة يسيرة، سافر بعدها إلى الحجاز، ثم ألبانيا، والآستانة، ثم رجع إلى دمشق، واستقرّ بها مع إخوته في حيّ الميدان.
بدأ دروسه بدمشق بالجامع الأموي، والتدريس بالمدرسة السلطانية، فقدره أهل العلم، وتوثقت الصداقة بينه وبين الشيخ عبد الرزاق البيطار، والشيخ جمال الدين القاسمي. وبعد وفاة هذا الأخير قرأ عليه طلابه أمهات الكتب؛ كـ"المستصفى في أصول الفقه" للغزالي، و"بداية المجتهد" في علم الخلاف لابن رشد، و"المغني في النحو" لابن هشام، و"الكامل في الأدب" للمبرد، و"صحيح مسلم"، فكان في ذلك كله إماماً مستقلاً مستدلاً.
شارك في الكتابة بالصحف والمجلات، وكان له اهتمام واضح بالمشكلة العربية التركية، ودعا للألفة بين العرب والأتراك في ظل الخلافة العثمانية. وكان جلّ اهتمامه بالعلم والعلماء بدمشق. قال عنها:"نزلت دمشق، وللشعر فيها سوق غير كاسدة، ولكني آثرت أن أصرف القريحة في البحث العلمي، أو في العمل للقضية الإسلامية بقدر ما أستطيع"(١).
وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، وتولى جمال باشا السفاح حكم سورية، عمل الشيخ مع عدد من المفكرين ضدّ حكمه الجائر، فسجن يوم ١٥ آب ١٩١٦، متهماً بالتستر على المتآمرين، وحوكم، ثم أطلق سراحه، بعد أن بقي في السجن حتى يوم ٢٩ كانون الثاني ١٩١٧. وحزّ في نفسه وهو سجين أن يمنع من المطالعة والكتابة، وقال في هذا: