وبعد معركة ميسلون سنة (١٣٣٩/ ١٩٢٠) رحل إلى مصر هروباً من الحكم الفرنسي، الذي لاحقه خفية في تونس، ثم حكم عليه بالإعدام غيابيًا؛ لاتهامه إياه بالمشاركة بتحريض المغاربة في ألمانيا وتركيا ضدّ السلطة الفرنسية في شمال إفريقية، فأحزن سفره أصدقاءه ومحبيه في الشام، ومنهم: الأستاذ الشاعر خليل مردم، الذي وجه إليه -فيما يقول بعد- رسالة رقيقة تدل على مكانته عند الشاميين، وصداقته لهم، وفيها قوله:
إنّ خير ما أثبته في سجل حياتي، وأشكر الله عليه: معرفتي للأستاذ الجليل السيد محمد الخضر التونسي، وإخوانه الفضلاء، وصحبتي لهم. وقد صحبت الأستاذ عدة سنين، رأيته فيها الإنسان الكامل، الذي لا تغيره الأحداث والطوارئ، فما زلت أغبط نفسي على ظفرها بهذا الكنز الثمين، حتى فاجأني خبر رحلته عن هذه الديار، فتراءت لي حقيقة المثل:"بقدر سرور التواصل تكون حسرة التفاضل".
وأتبع الشاعر رسالته بقصيدة سماها: الرتيمة (١)، ومطلعها:
طيفٌ للمياء ما ينفك يبعث لي ... في آخر الليل إن هوّمت أشجانا
يغري الدموع بأجفان مسهَّدَةٍ ... من حيث يوري على الأحشاء نيرانا
فلو تراني وأمر الليل مجتمع ... مشتت الرأي إثر الطيف حيرانا
حسبتني مطفلاً قد ضلّ واحدُها ... عنها فطبقت الآفاق تحنانا
إلى أن قال:
كاد أقضي جَوًى والدار جامعة ... فكيف حالي إذا وقت النوى حانا؟!
(١) الرتيمة: خيط يعقد في الإصبع للتذكير. "المعجم الوسيط".