وقد ظل هذا الحكم يطارد الرجل المجاهد، ويحول بينه وبين العودة إلى تونس، أو الإقامة في بلد يحتله الفرنسيون، ومن ثَمَّ هاجر الشيخ سنة ١٩١٩ م إلى مصر لاجئاً سياسياً بمجرد عودة الفرنسيين إلى احتلال دمشق.
* البحث عن عمل:
وظل الأستاذ الأكبر على هذه الحال قرابة السنتين، وهو ينفق من القليل الذي ادخره، ويجهد النفسَ في البحث عن مصدر من مصادر الرزق.
فاتجه التفكير إلى الحصول على الشهادة العالمية، وقدم طلباً إلى شيخ الجامع الأزهر الشيخ أبي الفضل؛ ليسمح له بدخول امتحان الشهادة العالمية الأزهرية، غير أن نفراً من العلماء وقفوا في وجهه، وقالوا عنه: إنه طريد سياسات مختلفة: ألمانية وتركية وعربية وفرنسية، فرفض طلبه، ولما تولى جعفر والي وزارة المعارف، وكان يعرف الشيخ محمد الخضر حسين عن قرب، عينه في دار الكتب بمرتب شهري قدره تسعة جنيهات، وكان مدير دار الكتب في ذلك الوقت أحمد صادق بك.
* بحر لا ساحل له:
وفي سنة ١٩٢٢ م، شاء القدر أن يفتح أبوابه للاجئ الوحيد؛ ليدخره في جعبته، ويحمله بعد ثلاثين عاماً إلى كرسي المشيخة.
وشاء القدر أن يهيئ الفرصة أمامه، فيتعرف على المرحوم أحمد تيمور باشا، الذي كان حينئذ صديقاً للسراي، ومقرباً من المغفور له محمد توفيق نسيم باشا، واستعمل أحمد تيمور نفوذه القوي ليهيئ للشيخ فرصة الامتحان، وهي كل ما كان يطلبه.