وإفريقية هي إقليم تونس، وكأنما توارث أهل "نفطة" خلق الشراة -وهو العزة والأنفة من الجور-، فنشأ الشيخ على هذا الخلق، وحالفه طول دهره.
وكان مولد الشيخ في سنة ١٢٩٤ هـ (يوافق ١٨٧٧ م) من أسرة كريمة. ونرى في شعره الحديث عن والدته إذ يرثيها في سنة ١٣٣٥ هـ (١٩١٦ - ١٩١٧ م)، وهي من بيت عريق في العلم والفضل: بيت عزوز، ويقول فيها:
بنت عزوز لقد لقنتنا ... خشية الله وأن نرعى الذماما
كنت نوراً في حمانا مثل ما ... نجتلي البدر إذا البدر تسامى
أفلم تُحْييه بالقرآن في ... رقة الخاشع ما عشتِ لزاما
ويذكر الشيخ كثيراً خاله الشيخ محمد المكي بن عزوز، وكان مدرس الحديث في دار الفنون بالآستانة. ورثاه الشيخ إذ مات في هذه المدينة في سنة ١٣٣٤ هـ، ويقول فيه:
رب شمس طلعت في مغرب ... وتوارى في ثرى الشرق سناها
هاهنا شمس علوم غربت ... بعد أن أبلت بترشيش ضحاها
وترشيش: اسم قديم لتونس.
وقد حفظ القرآن، وشدا شيئاً من الأدب في بلدته. ونراه يقول في هذه الحقبة من حياته:"نشأت في بلدة من بلاد الجريد بالقطر التونسي يقال لها "نفطة"، وكان للأدب المنظوم والمنثور في هذه البلدة نفحات تهب في مجالس علمائها. وكان حولي من أقاربي وغيرهم من يقول الشعر، فتذوقت طعم الأدب من أول نشأتي، وحاولت -وأنا في سن الثانية عشرة- نظمَ الشعر. وفي هذا