عن كذا، فقال: صبرت عن المعصية؛ أي: تركتها، فقلت له: قد ترك الشاعر هذا الفرق إذ قال:
والصبر يحمد في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم
فمقتضى هذا الفرق أن يقول: إلا عنك فإنه مذموم. فاغرورقت عيناه، وظهر على وجهه ابتهاج، ودعا لي بخير. ولم يسعه إلا أن يقول: إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض. فالشاعر استعمل (على) موضع (عن) كما قال الآخر:
إذا رضيت عليَّ بنو قشير ... لعمرُ الله أعجبني رضاها
فإن رضي يتعدى -بحسب الأصل- بـ "عن" كما قال الله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[المائدة: ١١٩]. ويقول أيضاً في شيخه هذا:"وممن لقيت من الأدباء العلماء: شيخنا الشيخ سالم أبو حاجب، فكان يقول الشعر مع كونه يغوص على المسائل العلمية بفكر ثاقب. سافر مع الوزير خير الدين التونسي إلى الآستانة، وخاطب السلطان بقصيدة، فأمر السلطان بإعطائه وسامًا، وقال له المكلف بإعطاء الأوسمة: هذا وسام براتب، فأبى قبوله، وقال: إن من العيب عندنا أن يحمل العالم وساماً، فلما عاد إلى تونس، قال له ملك تونس: لو قبلتَ الوسام، لغضبتُ؛ لأني كنت عرضتُ عليك مثل هذا، فأبيتَ".
ولقد تأثر الشيخ الخضر بشيخه في سمو النفس وظلفها عما لا يجمل بالكريم، وذلك أخص أخلاقه -عليه رحمة الله-، كان يحتذي من القدماء في هذا المعنى القاضي الجرجاني، وتراه يقول:"ومن خير الأدباء العلماء: القاضي عبد العزيز الجرجاني صاحب كتاب "الوساطة بين المتنبي وخصومه".