وحسبك في وصفه، والكشف عن أدبه أبياته التي يقول فيها:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
يقولون هذا مورد قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحر تحتمل الظما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
وأذكر هنا: أن التاج السبكي أورد أبيات الجرجاني في "معيد النعم"(٧٠)، وقال عقبها:"فلقد صدق هذا القائل. لو عظموا العلم، لعظمهم. وأنا أقرأ قوله: لعَظما -بفتح العين-؛ فإن العلم إذا عُظِّم، يُعَظِّم، وهو في نفسه عظيم. ولهذا أقول: ولكن أهانوه، فهانوا. ولكن الرواية: فهان، ولعُظم -بضم العين-. والأحسن ما أشرت إليه".
* حياة الشيخ في تونس بعد تخرجه:
تخرج الشيخ في جامع الزيتونة في سنة (١٣١٦ هـ - ١٨٩٨ م)، وهو فقيه كاتب شاعر أديب يستشعر المرارة من سوء الحال في بلده، وبسطة يد الفرنسيين فيه، ويتحرق إلى إعادة مسجد الإِسلام. ورأى أن خير ما ينفق فيه جهده: تنبيه الأفكار، وبعث اليقظة في نفوس الناس، وأن من أقوم السبل في ذلك: الصحافة الواعية الرزان. فأنشأ مجلة "السعادة العظمى"، وهي أول مجلة ظهرت في المغرب، وأخاله كان فيها جسوراً، ينقد ما يراه في قومه من استسلام للأجنبي، ويرسم ما يرى من إصلاح في شتى النواحي، وينشر فيها نفثات الأفكار، ودرر الأخبار. ونراه يقول في شأن هذه المجلة: "وقد كنت -بعد أن نلت درجة العالمية من جامعة الزيتونة- أنشأت مجلة علمية أدبية، وهي أول مجلة أنشئت بالمغرب، فأنكر علي بعض الشيوخ، وظن