للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو جمعيات أدبية -فإن الرؤساء-أي: ممثلي الاستعمار - ينزعجون منها، ويتوعدون الموظف بأوخم العواقب، ولا غرو، فإن الجمعيات الأدبية إنما تهدف إلى معاضدة اللغة العربية، لا الفرنسية، الأمر الذي يعتقد أولئك الرؤساء -الأجانب- أنهم لم يأتوا من وراء البحر لتأييده" (١).

ولكن الشيخ الخضر ليس من هؤلاء الموظفين الخانعين الذين يجد لديهم المستعمر كل طاعة وعون وخضوع. لذا نراه يتقدم بأول محاضرة علنية قامت في تونس عن الحرية، وهي المحاضرة التي ألقاها الشيخ الخضر في نادي قدماء الصادقية عام ١٩٠٦ بعنوان "الحرية في الإسلام"، والتي طبعت بعدُ بكتاب مستقل. وهي من الأعمال الأولى الدالة على شجاعته ووطنيته وحبه لبلاده.

"ولما كان الرجل حراً بطبيعته، فقد أحس بأن الحكومة -الاستعمارية إذ ذاك- تحاول أن تطفئ منه ذلك النور المشع، وتقتل روحاً نشيطة لا زالت متأججة بين جنبيه؛ ليكون على ما عودت به سائر موظفيها من السكون والاستسلام في ظل مرتب يأتي بانتظام. لما أحس بذلك أبى أن يكون ذلك المستضعف المغبون، فقدم استقالته، وأصر على قبولها" (٢)، فقبلت منه. وبذلك تحرر من أعباء الوظائف التي للاستعمار يد وسلطان عليها. ومن ثم عاد للعاصمة ليلقي دروسه العلمية تطوعاً في جامع الزيتونة. وهنا بدأت إدارة الجامع تهتم به، فكلفته -ضمن لجنة- بوضع فهارس لمكتبات جامع


(١) عن مجلة "العرب" (م ٣ ج ١ ص ٢٨ - ٢٩) بتصرف زهيد.
(٢) المرجع نفسه بتصرف بسيط.