هذه الطريقة في الشرح والتلقين هي نفسها الطريقة الأزهرية القديمة التي نادى محمد عبده بوجوب إصلاجها، ودعا إلى نمط آخر من الدراسة يهتم باللباب دون القشور، وأرجح أن بعض أساتذة الزيتونة لم يكونوا من هذا الطراز؛ لأن الشيخ الخضر في غضون مقالاته الكثيرة يتحدث عن أستاذه سالم أبو حاجب، فيرينا نمطاً من العلماء الأفذاذ يهتمون بالحقائق الخالصة، ويعملون على إحياء الوعي المجدد الناهض، فهو -مثلاً- في دروسه كان يستشهد على كل كلمة لغوية ببيت من الشعر مما ينبئ بكثرة محفوظة الأدبي.
وزملاؤه إذ ذاك كانوا لا ينظرون إلى دواوين الشعر العربي نظرة تأمل واستيعاب، وأكاد أجزم أن وجود هذا الأستاذ في حياة الخضر العلمية كان ذا أثر بعيد في اتجاهه الفكري، فهو الذي حدا إلى البعد عن دائرة الحواشي والمتون والتقريرات، وهيأه لأن يرد التراث العلمي من أصفى موارده في أمهات الكتب للشافعي، وابن حزم، والغزالي، والفخر، والشاطبي، وأمثال هؤلاء من أفذاذ العلماء!
ولا تجد تعليلاً لنبوغ الخضر في حداثته، وتفوقه عن أقرانه غير صفاء مورده، ودسامة غذائه الفكري، على حين يظل بعض الزملاء في مصر وتونس مولعين بكتب المماحكات، وحواشي المتون.
تخرج الأستاذ في الزيتونة صحيحَ العلم، واسع الأفق، فصيح العبارة، وراعه أن يرى الاحتلال الفرنسي يأخذ بمقبضه الحديدي على أعناق المسلمين في أصقاع المغرب بشتى نواحيه التونسية والجزائرية والمراكشية! فطفق يدعو إلى اليقظة والتحرر، وأنشأ مجلة "السعادة العظمى" لتوضح للقارئين مأساتهم