الدامية، وتكشف تخلفهم الحضاري والعلمي، وبُعدهم عن تعاليم الإسلام في مجتمع يقول الأستاذ أحمد أمين في وصفه (ص ١٤٩):
"جزء كبير من السكان بدو لا يعرفون من الإسلام إلا الشهادتين، ولا يصل إليهم شيء من علم إلا في بعض أماكن أنشأ فيها الصوفية زوايا تعلم الناس شيئاً من الدين، وللجاليات الأجنبية من فرنسية وايطالية وانجليزية مدارس تعلم أبناءها، وقليلاَّ من أبناء البلاد اللغات والجغرافيا والتاريخ والحساب والجبر والهندسة، فتخرج من هم أقدر على فهم الحياة، فإذا انغمسوا فيها، تحولت مالية البلاد إلى أيديهم، أما إدارة البلاد، ففوضى، الحاكم حاكم بأمره، وأحب الناس إليه من يجمع له المال من حله وحرامه، ولا ضبط في دخل ولا خرج، والعدل والظلم متروكان للمصادفات، فإن تولى بعض الأمور عادل، عدل، وكان العدل موقوتاً بحياته -وقلما يكون-، ونظام القضاء والجيش والإدارة والضرائب وجباية المال وانفاقه على النمط العتيق البالي، وكثير من الأمور تنفذ بالأوامر الشفوية، لا مرجع لها، ولا يمكن الحساب عليها".
هذه حال تونس، وهي مشابهة لأكثر أحوال الممالك الإسلامية في أواخر القرن الماضي، وأوائل هذا القرن، ولو كان الأستاذ الخضر ممن يفكرون في ذواتهم الخاصة، لقنع بما أسند إليه من وظائف القضايا بالمحكم، والتدريس والخطابة بالزيتونة وغيرها من المدارس، وهي وظائف تضمن العيش الرغيد، وتوفر صعاب الرزق، بل إنها كانت -عند بعض الوصوليين- مدعاة التقرب إلى المحتلين؛ إذ يصيرون لعبة هينة في أيديهم، يصدرون عن آرائهم، ويمهدون لتمكين سيطرتهم بما يلفقون من تقريب وتمهيد!