للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن الرجل حي الضمير، شديد الحساسية؛ فقد رأى الأجنبيَّ يحاول أن يطمس نور الشريعة عن عيون تهيم بالإسلام، كما يبذل قوته الحاشدة لتشويه اللغة العربية، والحكم عليها بالجمود والتقهقر؛ لينصرف الناس عن قرآنهم المجيد، وأحاديث نبيهم الكريم، ثم تنقطع صلاتهم بأصحاب الذخائر العلمية الرائعة من ورثة الأنبياء وهداة المصلحين.

لذلك أنشأ صحيفة "السعادة العظمى" على نمط "العروة الوثقى"؛ لتنشر محاسن الإسلام، وتفضح أساليب الاستعمار، وكانت خطة السيد -منذ حمل لواء الدعوة في صباه إلى أن لقي الله في شيخوخته- واضحة مفهومة، فهو يعتقد أن فساد الأمم الإسلامية يرجع -في أصح أسبابه- إلى انصراف المسلمين عن هدي الشريعة الإسلامية، ويرى أن السيطرة الأوروبية لم تملك زمام الأمور في الشرق إلا حين اعتصمت بالعلم، واستضاءت بالعقل، وأن الشلل العقلي لم تتمهد وسائله المؤسفة وأسبابه القاتلة في ربوع الحنيفية إلا حين استطاع الدخلاء أن يلبسوا الحق بالباطل، فيصموا الإسلام بما هو براء منه من الجمود والتزمت والاستسلام، والأخذ بالخرافات والبدع والغيبيات المزعومة، مما لم يأت به وحي سماوي، أو هدي محمدي!

ولذلك كانت مهمة "السعادة العظمى" شاقة خطيرة؛ إذ أخذت تحارب القوة والمال والنفوذ بعزم وأثق، وجهد صابر أمين! والرائع حقاً أن الأستاذ - رضي الله عنه - قد ثبت على معتقده ثبات الأبطال في كل مكلان رحل إليه، فهو في تركيا ودمشق، وألمانيا والقاهرة، شاباً وكهلاً وشيخاً، هو في تونس يافعاً غضّاً يناهض الباطل بالحق، ويحارب الكفر بالإيمان! ومن يطالع روائع قلمه، وبخاصة كتاب "رسائل الإصلاح" بأجزائه الثلاثة، يدرك يقينه الثابت بماضي