وتركنا الرد عليه في قوله:"فأعجزه عن القيام بأعباء الرسالة" إلى الكلام في دفع شبهته الثانية؛ لأنها واردة بهذا المعنى نفسه.
وأي حرج على الكاتب إذا وصف مرض أيوب - عليه السلام - بالشدة، وهو يقرر موضع العبرة التي نفاها صاحب المقال، ما دام الكاتب لم يقل له: إنك قد جعلت في هذا المقام أمر المرض هيناً، وهو عظيم؟.
ثم ما هو الدليل على أن الله تعالى لا يذكر الرسل - عليهم السلام - إلا بما كان من مميزاتهم، ونحن نرى أن الله تعالى يمدحهم بأخلاق سنية، أو أعمال زكية، يشاركهم فيها غيرهم من الصالحين، ولكن سناء أخلاقهم فوق كل سناء، وفضل أعمالهم فوق كل فضل، فقد مدح الله تعالى إسماعيل - عليه السلام - بأنه صادق الوعد، ومدح يحيى - عليه السلام - بأنه برٌّ بوالديه، وفي الصالحين صدقُ الوعد، وفيهم البرُّ بالوالدين، فلماذا لا يذكر الله تعالى أيوب - عليه السلام - بالصبر على بلاء المرض، والانقطاع عن الأهل، وإن كان في الصالحين من يصبر على مثل ذلك، ولا يظهر أن لصدق الوعد وبر الوالدين صلةً بالدعوة أشدَّ من صلة الصبر على البلاء المبين؟.
قال صاحب المقال في رده:"وأي مناسبة بعد هذا بين ما كان فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شدائد تتصل بالدعوة، وبين أن يكون أيوب قد أصيب بمرض، فصبر عليه، وبين الأمرين من الفرق ما بين الليل والنهار، وما بين الثلج والنار؟ ".
شأن ما يقصه الله تعالى من أنباء الرسل - عليهم السلام - أن يثبت فؤاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: يزيد يقينه قوة؛ فإن دلائل الحق تضع في النفس قرارة اليقين، وكلما كثرت، ازداد بها اليقين قوة، وقصة أيوب - عليه السلام -