العظيم كان أولى، وكثيراً ما أرى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريرها ببيت مجهول، فرحوا به، وأنا شديد التعجب منهم؛ فإنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وقفه دليلاً على صحته، فلأن يجعلوا ورود القرآن دليلاً على صحته أولى".
وأنكر أبو محمد بن حزم على من لا يمضي في الاحتجاج بظاهر القرآن، فقال في كتاب "الفصل": "ولا عجب أعجب ممن إن وجد لامرئ القيس، أو لزهير، أو لجرير، أو الطرماح، أو لأعرابي أسدي أو تميمي، أو من سائر أبناء العرب لفظاً في شعر أو نثر، جعله في اللغة، وقطع به، ولم يعترض فيه، ثم إذا وجد الله تعالى خالقِ اللغات وأهلها كلاماً، لم يلتفت إليه، ولا جعله حجة، وجعل يصرفه عن وجهه".
وهكذا نرى في الكتاب عشرات النصوص القوية التي تسلك مسلكاً جديداً في الفهم، ولو كانت هذه مزية الكتاب وحده، لكفته فخراً، فكيف إذا لم يدع شبهة تحوم إلا بددها برأيه ونقله وعقله في بصر وتمكين؟!.
وكأن المصادفات العلمية الفذة قد هيأت للرجل أن يجول الجولة الثانية بمصر، حين صدر كتاب "الإسلام وأصول الحكم" لعالم من علماء الأزهر، قد امتلأ يقيناً بأقوال الاستشراق، فجعلها المنبع الأول لفهم الحكم في الإسلام على نحو يقرب من تعاليم المسيحية وحدها، إذ أن المعروف المتفق عليه أن المسيحية دين لا دولة، ولكن الإسلام شيء، والمسيحية شيء آخر، فالإسلام دين ودولة، والرسول حاكم ومبلغ معاً، ونصوص القرآن مليئة بما يجعل هذه الحقيقة في مرتبة البدهيات!
ولكن الأستاذ علي عبد الرازق، يجهر بدعواه، واهماً أنه وحده صاحب