الكبرى الأولى، وسوريا ثم بمصر بين الحربين العالميتين، ثم بعد الحرب الثانية إلى أن توفاه الله بالقاهرة (١٣٧٨ - ١٩٥٨).
سيذكرني قومي إذا جد جدهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
كنا ونحن صغار يحدثنا شيوخنا عن فضائله ومآثره، ويقولون: هو رجل سبق زمانه، وكانوا يصفونه بالعلم الغزير، والجواب الحاضر، والنكتة اللطيفة، والملاحظة الدقيقة، مع الجسارة في الدعوة إلى الإصلاح، ورفع هذه الأمة من كبوتها، فكان يدرس ويحاضر، وينشئ القصائد، وجرى أترابه ومن بعده على ذلك؛ كزميله الأستاذ الإمام محمد الطاهر بن عاشور، وأصدر مجلة "السعادة العظمى"، وهي أول مجلة عربية في المغرب، وإن ذلك التحرك والنشاط لخدمة الإسلام والعربية في ذلك العهد السحيق ليعد بحق من العجائب والنوادر، وكلما زاد إعجاب الناس بأعماله، وإكبارهم له، وتأثرهم به، كلما زاد حنق المستعمرين عليه، وغضبهم منه، فضاقوا به ذرعاً، وضاق بهم، وهاجر إلى معقل آمال المسلمين في ذلك العهد دار الخلافة الإسلامية إسطنبول، وقد سبقه إليها وإلى الشرق علماء وفضلاء كثيرون، منهم: العلامة الرحالة محمد بيرم الخامس، صاحب "صفوة الاعتبار"، والشيخ صالح الشريف، وخال الشيخ العلامة محمد المكي بن عزوز، المتوفى بإسطنبول سنة ١٣٣٤، وقد رثاه الشيخ بقصيدة في ديوان "خواطر الحياة"(ص ١٨٠).
وقد ترى أن النوابغ في المغرب تشرق من المغرب، وتغرب بالمشرق. وأقام وأهله وإخوته بدمشق، وكان لهم فيها مآثر محمودة لا تزال جاربة إلى الآن، وقد كانت سورية بعد الحرب الأولى عند قسمة تركة الرجل المريض من نصيب فرنسا، فلجأ الشيخ إلى مصر، وقد كانت مصر ملجأ