لقد لوثت أقدام الغزاة الفرنجية التراب التونسي العبق في يوم حزن من عام ١٨٨١، كما فعلوا قبل خمسة عقود من السنين في القطر الجزائري الحبيب.
هب عالمنا الكبير للجهاد، لا بالسلاح، ولا بالدم، فالاستعمار قد أناخ بكلكله السمج على بلاده الجريحة، وإنما بالقلم والفكر يبعث الروح، والأمل المتشوف إلى فجر مشرق لابد أن يأتي بعد الليل المدلهم. . ولذلك فقد أصدر مجلة "السعادة العظمى"، وأسس بنيانها على العلم، والعقل، وجعل رسالتها الدعوة إلى الدين الحنيف؛ بتفسير آيات التنزيل العزيز، وشرح الحديث الشريف، وترسيخ العقيدة الصحيحة لرد كيد الضالين المضلين، وإرساء قواعد التشريع العظيم في الحياة بكل أبعادها، ونشر الأخلاق والفضيلة، كل ذلك بلسان عربي مبين (١).
كانت هذه المجلة صرخة عنيفة في ضمير الأمة كي تنهض من كبوتها، وتدرك التخلف الذي أدى بها إلى أن تقع مهيضة العزة تحت الاحتلال.
وكانت وخزة مُرَّة في جنب العدو المستعمر تنخر في حياته، ولا بد أن تأتي عليه ..
وزاد في أثر هذه المجلة الغراء: أن بيت صاحبها غدا دار ثورة للفكر
(١) مقدمة العدد الأول من المجلة الذي صدر في ١٦ محرم ١٣٢٢ هـ. تحدد رسالة المجلة ومنهجها. وعندي أن هذه المجلة، ومجلة "العروة الوثقى" التي أصدرها في باريس جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده قد أحدثتا ثورة فكرية -على قصر حياتهما- لم تعرفها الصحافة العربية.