للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكل ذلك تأثر شاعرنا بالضربة القاصمة التي وجهها كمال أتاتورك للخلافة الإسلامية حين ألغاها، فازدادت آلام شاعرنا أضعافاً مضاعفة، إلى جانب ما كان يقاسيه من معاناة بسبب استعمار أوطانه العربية التي دعاها مرات ومرات إلى الثورة وفك القيود.

كان الخضر حسين مدركاً الخلافة الإسلامية، فقال:

حتى تحكَمَ فيهِ رَهْطٌ بَدَّلوا ... خَبَثَ الحديدِ بِعَسْجَدِ مَسْبوكِ (١)

نزَغاتُ وَسْواسِ تَخَبَّطَهُمْ فَما ... لَبِثوا أنِ اغْتَرّوا بِوَحْيِ أَفوكِ (٢)

وتبلغ الحسرة مداها، فيتمنى شاعرنا لو يقيض الله لهذه الأمة رجلاً يجمع شملها، ويعيد لها وحدتها؛ مثل: صلاح الدين الأيوبي الذي أبلى البلاء الحسن في سبيل نصرتها، ولمِّ شملها، وتحرير أوطانها. وها هي ذي اليوم قوى الاستعمار تمرح في ربوعها:

جاسُوا المَدائنَ والقفارَ وأَرْصَدوا ... في كلِّ وادٍ غاشمٍ فَتّاكا (٣)

يا لَيْتَني أدري ومِثْلُكَ يُقْتَدى ... بمثالِهِ بينَ الوَرى ويُحاكى

أَيُتاحُ للشَّرْقِ المعذَّبِ ذائدٌ ... يَرْمي ويَبْلُغُ في النِّضالِ مَداكا

ومن أهم عناصر كيان الأمة: الأخلاق الفاضلة، والسجايا الحسنة التي دعا إليها شاعرنا بأكثر من موقف، وفي أكثر من مناسبة، وهاجم الآفات الاجتماعية، والأمراض الخلقية، وكل ما تفشَّى في المجتمعات العربية


(١) الرهط: قوم الرجل وقبيلته. خبث الحديد: ما نفاه الكير.
(٢) الوسواس: الشيطان. أفوك: كاذب، ويعني به: الشيطان.
(٣) المدائن: جمع المدينة. أرصدوا الرقيب: نصبوه في الطريق.