للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رام التقدم من غير هذا السبيل أضاع عمره سدى.

كان محمد الخضر حسين شاعراً وعالماً، ومصلحاً منفتحاً على العصر وعلومه، يأخذ منه كل ما يعتقد أنه مفيد لأمته؛ شريطة أن لا يتصادم مع أصول الدين الإسلامي الحنيف. وهذا الذي يعبر عنه بالانفتاح، ونعني به: الانفتاحَ الحضاري للاستفادة من المعطيات الحضارية الغربية الجديدة؛ باقتباس علوم الطبيعة، وعلوم التمدن المدني والعلمي؛ مثل: علوم الزراعة والحيوان، وعلوم الصناعة والحرف والتجارة، وعلوم الطب والصيدلة، ووسائل الاتصال والمواصلات، وعلوم طبقات الأرض وأنواعها ومعادنها، والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفلك، وعلم الجغرافية والبحار والملاحة، وما إلى ذلك من المعارف التي تتصل بعلوم المادة وظواهرها.

وبقدر ما كان الخضر حسين ذا شخصية قوية معبرة ذات أنفة وكبرياء، فقد كان رقيق القلب، شفيقاً رؤوفاً، ويبدو أن نفس الشاعر كانت مشوبَة بحزن وألم دائمين، مما جعله يجيد فن الرثاء، ويعبر عن أحاسيسَ وعواطفَ تتجاوز المرء إلى أبعاد أعمقَ وأشمل، فقد رثى خاله الشيخ محمد المكي بن عزوز الذي توفي بالآستانة، وزوجته الثالثة المتوفاة سنة ١٩٥٣ م في القاهرة، ورثى صديقه الحميم أحمد تيمور باشا الذي كانت تربطه به صداقة متينة، وودٌّ متين.

وأبلغُ مرثياته في نظرنا: هي التي قالها في والدته التي توفيت بدمشق سنة ١٩١٧ م، وكان وقتئذ في البلاد الألمانية.

وأبّن الشيخ علي محفوظ أحدَ علماء الأزهر الكبار، ورثى أستاذه سالم بو حاجب من تونس.