للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد كان أعمقَ عاطفة، وأرقَّ أسلوباً في مراثيه، التي قالها في والدته التي كانت تمثل له شيئاً كبيراً، وقيمة ثمينة؛ بما كانت تغرسه فيه وفي إخوته من قيم ومُثُل، فقال:

(بِنْتَ عَزّوزَ) لَقَدْ لَقَّنْتِنا ... خَشْيَةَ الله وأنْ نَرْعى الذِّماما (١)

وَدَرَيْنا مِنْكِ أنْ لا نَشْتري ... بِمعالينا مِنَ الدُّنْيا حُطاما (٢)

وَدَرَيْنا منكِ أنَّ الله لا ... يَخْذِلُ العَبْدَ إذا العَبْدُ اسْتَقاما (٣)

ودرينا كيفَ لا نَعْنو لَمِنْ ... حاربَ الحَقَّ وإنْ سَلَّ الحُساما (٤)

كُنْتِ نوراً في حِمانا مِثْلَما ... نَجْتَلي البَدْرَ إذا البَدْرُ تَسامى

أَفَلَمْ تُحْييه بالقرآنِ في ... رِقّةِ الخاشِعِ ما عِشْتِ لِزاما

كُنْتِ لي رَوْضَةَ أُنْسٍ أَيْنما ... سِرْتُ أهْدَتْ نَفْحَ وَرْدٍ وخُزامى (٥)

والدارس لمرثيات الحسين يلاحظ أن الرجل يمجد قيماً، ويبكي خصالاً وسجايا حميدة في الأشخاص الذين رثاهم، سواء كانوا أقارب، أو غيرهم. ويدعو ضمنياً إلى التخلق بتلك الصفات، والتشبت بتلك القيم؛ لما فيها من


(١) بنت عزوز: السيدة البارة المرحومة حليمة السعدية بنت الشيخ مصطفى بن عزوز، والدة الشاعر، ومن الشهيرات بالتقى والعلم والصلاح. ولدت بتونس سنة ١٢٧٠ هـ، وتوفيت بدمشق سنة ١٣٣٥ هـ. الذمام: الحق والحرمة.
(٢) الحطام: ما تكسر من اليبس. ويقصد الشاعر: مال الدنيا وزخرفها.
(٣) خذل الرَّجُلَ: ترك نصرته وإعانته.
(٤) نعنو: عنا له: خضع وذل.
(٥) الخزامى: نبت زهره أطيب الأزهار نفحة، ويتمثل به في الطيب.