لكن الجوهر الذي نستفيده من الشيخ محمد الخضر حسين وأمثاله، هؤلاء الذين بفضلهم - والحمد لله - الأمة أولاً. زرع رغم ما أحاطه من مصاعب وقوى، وربما لو رأى أحد هذه القوى تناوشه من كل جانب، ربما ييأس ويستسلم. أما هذا الرجل الشيخ الخضر، يواجه علي عبد الرازق، وما أدراك بعائلة ثرية مدعومة؟! ويواجه طه حسين، وهو لا عصبة له. فالشيخ ثقته بنفسه، ثقته بمصير الأمة قوية، وبعض الناس وقفوا مع الشيخ؛ لأنهم يعرفون أنه يحاول ويدافع عن مشروع مشترك للأمة كلها.
ولكن النقطة التي نحب أن أشير إليها: هي السجن. في هذه الفترة ظهرت نبتة، جرثومة، ميكروب، هي: القومية الطورانية. ولهذا جنح كل الجزائريين الموجودين في المشرق، والذين قرأت عنهم وعرفتهم، نبذوا ضد هذه الفكرة دون أن يمسوا الدولة العثمانية، حاربوا جماعة الطورانيين القومية التركية، لكنهم -في الوقت نفسه- حافظوا، ودعوا إلى الجامعة الإسلامية، ويتردد أسماء الشيخ محمد الخضر حسين، وصالح الشريف، وغيرهم، حتى الأمير خالد في المؤتمر العربي في عام ١٩١٣ م لم يحضر مع الذين حضروا في فرنسا، وبعث برسالة قال: أرجو أن لا يكون هذا المؤتمر ضد الدولة العثمانية، ننتقد تجاوزات المسؤولين الحكام والولاة في الأقاليم، أما أن نضرب الدولة العثمانية، فهذا سيقلب الأمر علينا.
المذيع: نتحول إلى الدكتور عويمر. ما يلحظه القارئ -في تاريخ تلك الحقبة التي كان قد عاش فيها فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين-: أنه كان مستنداً للحركات التحررية في المغرب العربي بصورة أخص، فكان قد ساعد الجهاد في ليبيا، واتصل بالزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي،