للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد سطع هذا النجم الثاقب في سماء تونس في فترة مخاض عسير، مثّلت منعطفاً حاسماً في التاريخ الفكري والأدبي والسياسي لبلادنا، وأجمع الكلّ على تثمين قيمة الرجل العلمية، ومنزلته الإصلاحية، وتوجهاته الوطنية. وشهدت تآليفه الحجّة -في العلوم الإسلامية، وفي اللغة، وفي الأدب، والتراجم- على رسوخ قدمه وعلوها.

ولم تكن هجرته إلى الشام أولاً، ثم إلى مصر حيث استقر وبلغ قمة المجد العلمي خلال توليه مشيخة الأزهر عام ١٩٥٢ م لتنسيه واجب الوفاء لتونس، والاعتزاز بالانتماء إليها، أو تثنيه عن النضال من أجل استقلالها.

فقد كان دائم الاتصال والتواصل مع أهل العلم والأدب في تونس، واحتضن العديد من الطلبة الذين أتموا دراساتهم الجامعية في مصر، وأسس سنة أربع وأربعين وتسع مئة وألف (جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا) وكان من خلالها سنداً ونصيراً للقضية التونسية، وللوطنيين الذين ولّوا وجوههم قبَل القاهرة؛ للتعريف بهذه القضية لدى الرأي العام العربي، كما كان سنداً لقضايا التحرر في شمال إفريقية عموماً.

وإن من دواعي مزيد اعتزازنا بهذا الشيخ الجليل، التونسي المنشأ: إشعاعَه العربي والإسلامي الذي لم يُنسه يوماً أصوله ومنبته، وحرصه على أن يكون فاعلاً في حركة التحرر في شمال أفريقية بشكل عام.

حضرات الأساتذة الموقرين!

إن تونس التغيير بقيادة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، اختارت منذ فجر التحوّل بلا مواربة طريقَ المصالحة مع هويتها وتراثها، وأكدت، وتؤكد كل يوم وشائجَ الاعتزاز بأعلامنا الروّاد الذين سطروا بمداد من ذهب